الحادث الإرهابي الذي قُتِلَ على إثره أكثر من خمسين مسلما وهم بين قائم وراكع وساجد ومنتظر لصلاة الجمعة، في مسجد الرحمن بنيوزيلندا، جعل بعض الناس يتساءل عمن يموت بهذا الشكل أو في المسجد أو بالبيت أثناء صلاته وهو ساجد أو يموت في الحرم وهو مُحرم بالحج أو العمرة، فهل يطلق على هذا أنه شهيد؟
هؤلاء إن ماتوا بلا قتل فإنه لا يطلق عليهم شهداء، وإنما هي من المبشِّرات بالجنة، وكذلك كل من مات على عمل صالح قُبض عليه نحسبه من أهل الجنة، وإنه من علامات حُسن خاتمته، قال ﷺ: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة).
أما من تعرَّض لمثل هذا الإرهاب وقُتل علي حاله تلك فإنه من شهداء الآخرة، له أجر الشهيد عند ربه، وقد أفاد العلماء أن من قُتل مظلوما فهو شهيد الآخرة طبقا لما ورد بالسنة النبوية.
فالشهداء أنواع: وهم شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الدنيا، وشهيد الآخرة، فشهيد الدنيا والآخرة: هو الذي يُقتل في قتال مع الكفار مُقبل غير مُدبر؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا، جاء عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: (إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مستفهماً: الرجل يُقاتل للمغنم، والرجل يُقاتل للذِكر، والرجل يُقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
أما شهيد الدنيا، فهو من قُتِلَ في قتال مع الكفار وقد غَلَّ في الغنيمة أو قاتل رياءً أو عصبية عن قومه، أو لأي غرض من أغراض الدنيا ولم يكن قصده إعلاء كلمة الله، فهذا وإن طبِّقت عليه أحكام الشهيد في الظاهر من دفنه في ثيابه ونحو ذلك لكنه ليس له في الآخرة من خلاق أي من نصيب وأجر.
أما شهيد الآخرة فهو الذي يكون له أجر شهيد في الآخرة لكنه في الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت العادي (من تغسيله وتكفينه وعدم دفنه في ثيابه.. إلخ) وهذا أصناف: منهم المقتول ظُلماً من غير قتال، وكالميت بأنواع من الأمراض المؤلمة كالسرطان والسُّل ونحو ذلك، وكالغريق في البحر الذي ركبه وكان الغالب فيه السلامة ،وكالميت في الحريق وكالميت بالهدم
لقوله صلى الله عليه وسلم: الشهداء خمسة: المطعون- الذي أصيب بالطاعون-، والمبطون- الذي قتل بداء البطن ومات بسبب مرض في بطنه-، والغرق-الذي مات غريقاً-، وصاحب الهدم- الذي انهدم عليه بيته-، والمرأة التي تموت في حملها أو وقت وضع جنينها أو في فترة نفاسها من غير زنى فهي شهيدة, ومن مات مدافعا عن ماله أو عِرضه أو دينه أو نفسه أو أهله فهو شهيد، قال صلى الله عليه وسلم: “من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد, ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد” وقال: “من قُتل دون مظلمته فهو شهيد” والشهيد في سبيل الله.
وأجر الشهيد بيَّنه الله لنا في قوله تعالى: “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ” [آل عمران:170-171] وعن أجر الشهيد حدثنا النبي حيث قال: (للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويُزوَّج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه).