البنت أمانة في بيت والديها ولابد أن تنتقل إلى بيت زوجها يوماً ما، وقد أوجب لها ديننا الحنيف حق الاستئذان في الزواج فلا يحل لوليها أن يعقد لها على رجل تكرهه فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: “لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن”. قالوا: “يا رسول الله، وكيف إذنها؟” قال: “أن تسكت”
فكلمة تستأمر في حق الثيب تفيد طلب الأمر فلا يعقد عليها إلاَّ بعد طلب أمرها وإذنها بذلك، وكلمة تستأذن في حق البكر تعنى طلب إذنها وموافقتها على النكاح ، وإذا عقد الأب لابنته وهي كارهة فالعقد مردود “عن خنساء بنت خدام الأنصارية: أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها .
وبعد تزويج البنات تأتي معاملة الأحفاد التي تدل على محبة البنات بمحبة أبنائها فقد كان يذهب صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة ليس له قصد سوى تقبيل الحسن ومعانقته.
وقد كان هذا مسلكه في مجالسه الخاصة والعامة، فقد قبَّل يومًا الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إني لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله، ثم قال: “من لا يرحم لا يرحم”
وجاء أعرابي إلى النبي، فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم. فقال النبي: “أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة”
ودخل الحسن المسجد والنبي يصلي وقد سجد، فركب على ظهره، فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن، فلما فرغ قال له بعض أصحابه: يا رسول الله، قد أطلت سجودك. قال: “إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله”.
أما الزوجة فكان له صلى الله عليه وسلم معاملة خاصة معهن وقد عُد الرسول خيرَ مربٍّ ومعلمٍ في تعامله مع زوجاته، فكان يعاملهن برفق ومودة وعدل وحلم.
وكان خيرَ الناس لأهله، وخيرهم لأمَّته من طيب كلامه وحسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، حيث قال: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))
، ومن مظاهر رفقه صلى الله عليه وسلم على نسائه: تدليلهن وملاطفتهن ومداعبتهن، وقبول الغيرة منهن.
كما أن الحلم من الخصال التي يحبها الله تعالى؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال للأشج – أشجِّ عبدالقيس -: ((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة))
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، حيث كان يطبق مبدأ الحلم مع زوجاته، فلم يكن يغضب منهنَّ لنفسه؛ إنما يكون غضبه إذا كان الخطأ منهن في حقٍّ من حقوق الله.
وبصورة عامة فإن المرأة كانت لها مكانة كبيرة عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا كان ينظر لاحتياجاتهن ويلبيها عند سؤالها وبغير سؤال أحيانا
ومن ذلك أنه خصَّص للنساء يومًا يعلِّمهن فيه أمور الدين.
و أنه يوصي بالنساء في آخر وصية له في حجة الوداع، فيقول: ((ألا واستوصُوا بالنساء خيرًا)
ومنها كذلك الإقرار بأن المرأة لا تقل مسؤولية عن الرجل أمام الله؛ فعن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته)
كما أنه كان يدعو إلى الرفق بالنساء في قوله لأنجشة: ((يا أنجشة، رويدك سوقًا بالقوارير)).
وهذا تشبيه بديع يوحي بجمال نظرة النبي وعمقها لهذا الجنس اللطيف، فالمعلوم أن القارورة تُتخذ غالبًا من الزجاج؛ ومن ثَم فهي سهلة الكسر، وبالتالي يكون القاسم المشترك بين المرأة والقارورة هو سهولة كسرها، كذلك فإن القارورة لا تُظهر إلا ما مُلئت به من مادة (جميلة أو قبيحة)، فكذلك الزوجة مهما ملأها الزوج بشيء من المعاني، فاضت به وأظهرته في شتى صور علاقتها معه.