لا نعرف قيمة الأشخاص ولا حتي الأشياء إلا بعد فقدها، حقيقة نعرفها جميعا لكننا لا نعتبر ولا نتعظ منها أبدا، منذ أسبوعين تقريبا فقدت أعز ما أملك، أبي وأمي، في يومين متتالين، في فاجعة أصابتنا جميعا بعدم الاتزان، وبعد سكرة الموقف الجَلَل الذي وجدت نفسي فيه مع شقيقتي، أنزل الله سبحانه وتعالى علينا صبرا جميلا واستطعنا توصيل الأمانة إلى خالقها وتلقينا العزاء فيهما في مشهد مهيب لم يصدّقه أحد، وبعد رحيل المُعزّيّن وجدت نفسي أمام الحقيقة المُرة، رحل أبوك رحل الظهر والسند، وسبحان الله، يظل الأب ظهرا وسندا مهما تقدم في العمر، ورحلت الأم التي كان الله سبحانه وتعالى يُكرمني من أجلها، ولا يبقي من صِلة لهما بالدنيا إلا العلم النافع الذي تركاه وصدقة جارية أو ولد صالح يدعو لهما، وأتمني من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يبرّون آباءهم حتي بعد الموت.
والأم في المجتمع المصري هي عمود المنزل، وهذا لا يُقلِّل من قيمة الأب فهو سند وظهر- كما ذكرت- لكن تبقي للأم مكانة خاصة وقدرة على تدبير كل الأمور تجعل الأب- أي أب- يُسلِّم لها مقادير الأمور داخل المنزل وهو مطمئن على حُسن تدبيرها وعلى قدرتها الكبيرة على رعاية الأبناء ومتابعة دراستهم وحتي بعد تخرجهم وزواجهم تظل الأم راعية لأبنائها وتحمل همهم، وبرحيلها تظهر المفاجأة، لقد أصبحت تقف وحدك في العراء وتبدأ في ترتيب حساباتك من جديد، وتجد أن عليك مسئوليات جسام كانت تحملها عنك وتشعر أن العمر قد تقدم بك فجأة.
اللهم اغفر لهما وارحمهما كما ربياني صغيرا، اللهم تجاوز عن سيئاتهما، اللهم اغفر لهما وارحمهما، وعافهما، واعف عنهما، وأكرم نزلهما، ووسِّع مدخلهما، واغسلهما بالماء والثلج والبَرَد، ونقّهما من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدلهما دارا خيرا من دارهما، وأهلا خيرا من أهلهما، وزوجا خيرا من زوجهما، وأدخلهما الجنة، وأعذهما من عذاب القبر وعذاب النار.
اللهم ارحم أبي، الحاج محمد أبو العطا، ووالدتي الحاجة نادية على صقر، وأعنّي وأهلى على الدعاء لهما وبرهما، اللهم آمين يا رب العالمين.