د.عمرو أبو الفضل
التحديات والأخطار الاستثنائية التي تحيط بالأمة العربية دعت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، إلي الدعوة لعقد قمتين طارئتين، عربية وخليجية، في مكة على هامش مؤتمر القمة الإسلامية الـ 14 بمشاركة عدد كبير من قادة دول منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة، ومن المقرر أن تناقش القمتين الاعتداءات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية والإمارات، وبحث السيناريوهات التي يمكن أن تتعرض لها دول المنطقة وكيفية التغلب عليها، ومواجهة تداعياتها، ومنع الاختراقات التي تتعرض لها الشعوب العربية، وبلورة موقف عربي موحد لصد تهديدات الأمن القومي للدول العربية.
رغم عدم إمكانية فصل الملفات التي ستناقشها قمتا مكة العربية والخليجية عن القمة الـ 14 لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي سيكون في مقدمتها بحث قضايا التضامن الإسلامي لمواجهة تحديات المرحلة، وتطورات الوضع في فلسطين، والتدخلات الإيرانية في شئون الدول العربية، والوضع في اليمن وسورية وليبيا، إلا أن خيار الحرب غير مطروح، فلا أحد يسعى لخوض الحرب أو إشعال المنطقة بصراعات مدمرة تلتهم المكتسبات التنموية التي تحققت على مدى العقود الماضية، ولكن هناك حاجة ماسة لبحث الاعتداءات الإيرانية وتداعياتها على المنطقة، وسبل الخروج من الموقف المتأزم ومواجهة التصعيد في المنطقة والتعامل مع الاستفزازات الإيرانية ومنع الأذرع التي تحركها من تهديد الدول العربية وحماية مصالح وامن واستقرار شعوبها لاسيما عقب الهجوم على محطتي ضخ نفطيتين بالمملكة العربية السعودية، وأيضًا استهداف سفن تجارية قرب المياه الإقليمية لدولة الإمارات.
ملفات شائكة
وتتعدد الملفات والمحاور السياسية المطروحة على هذه القمم الثلاث المرتقبة، في على مستوى القمة الإسلامية العادية التي ستعقد تحت شعار “قمة مكة: يدًا بيد نحو المستقبل” سيكون التركيز على المخاطر والتحديات والصعوبات التي تعصف بالأمة الإسلامية خاصة انهيار الدولة وتصاعد العداء للإسلام والمسلمين وممارسة التمييز والتفرقة العنصرية ضدهم، وتزايد التدخلات الخارجية في شئون الدول الإسلامية.
ويسبق عقد القمة اجتماع كبار الموظفين الذي من المرتقب أن يرفع نتائج مداولاته إلى اجتماع وزراء الخارجية للدول الأعضاء في المنظمة، الذي سيلتئم في مدينة جدة في 29 مايو، حيث سيرفع الوزراء مشروع البيان الختامي إلى القمة الإسلامية لاعتماده، كما يصدر عن القمة الإسلامية “إعلان مكة”، بالإضافة إلى البيان الختامي الذي سوف يتطرق إلى العديد من القضايا الراهنة في العالم الإسلامي، والتي تستهدف بلورة موقف موحد تجاه القضايا والأحداث الجارية في العالم الإسلامي.
وحدة الصف
فقد راعت القمة خصوصية الزمان والمكان لجمع كلمة الأمة وتحقيق تضامن دولها، ووضع حد لحال الفرقة والتشتت التي تعاني منها الشعوب الإسلامية، ولذلك ثمن المفكرون والسياسيون والعلماء والأكاديميون من مختلف دول العالم الإسلامي الدعوة لعقد القمة بمكة المكرمة، وشددوا على أهميتها وتوقيتها ومحاورها ومشروعات القرارات التي ستناقش وتستهدف تعزيز التضامن الإسلامي ووحدة المسلمين في مواجهة التحديات الراهنة.
وأكدوا أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لعقد القمة تعكس مدى اهتمام وحرص القادة العرب على وحدة الصف الإسلامي في مواجهة المخاطر والفتن التي تواجه الأمة الإسلامية في هذه المرحلة بالذات.
وشدد الخبراء أنها تكتسب أهمية بالغة وتحظى باهتمام كبير من العالم الإسلامي نظراً للتحديات والأزمات التي تتطلب تكتف وتعاون وتضامن عربي وإسلامي لمواجهتها، وضرورة خروج القمة بتوصيات وقرارات تسهم في رأب الصدع ومواجهة المخاطر التي تواجهنا، واتخاذ مواقف واضحة من الأحداث الأخيرة الخاصة بالأقليات المسلمة وما يتعلق منها بتنامي خطاب الكراهية ضد الجاليات المسلمة، وما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا ومعالجة الكثير من قضايا وتحديات العالم الإسلامي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا خاصة الفرقة والتطرف والإرهاب والعنف وتفشي مشكلات الفقر والبطالة والتراجع العلمي، وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تُعنى بها دول المنظمة.
ولاشك أن مشاركة مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في غاية الأهمية نظرًا لمكانة مصر ودورها المركزي في المنطقة والعالم الإسلامي، إذ تشكل مع أشقائها قيادة ومركز للعمل العربي والإسلامي المشترك، وأيضاً لجهودها في تعزيز التضامن الإسلامي ووحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة التحديات الجسام والمشكلات الدقيقة التي تعاني منها أمتنا الإسلامية التي تجتاز أصعب مراحلها التاريخية ويعاني أبناءها من الابتلاء والمظالم في بقع كثيرة من العالم أشدها حدة في كل من بورما وسوريا وفلسطين وكشمير وأفغانستان، فهي فرصة كبيرة لمناقشة القضايا التي تواجهها الأمة والخروج بحلول تساعد في تخفيف معاناة المسلمين.
قمم طارئة
أما على مستوى القمتين الخليجية والعربية، فالملفات المطروحة لمناقشتها به الكثير من القضايا والمحاور المتداخلة والمشتركة، فأكدت المملكة العربية السعودية انها استشعرت الخطر الذي تتعرض له المنطقة العربية وقررت الدعوة لقمة عربية وخليجية طارئة، بهدف التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وسارعت الدول العربية بإعلان ترحيبها ودعمها لعقد القمتين العربية والخليجية، ووافقت أكثر من 14 عضوا على فكرة الاجتماع الطارئ، وتقرر عقد القمة مساء يوم الخميس المقبل في مكة المكرمة بعد اجتماع القمة الخليجية.
ومن المنتظر أن تركز القمة على عدد من المحاور المهمة منها الأخطار التي تواجه الدول العربية وشعوبها، وتوحيد الصف العربي، وسبل تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين الدول العربية، كما ستناقش العديد من الملفات السياسية لعل أبرزها:
مكافحة الإرهاب
يتصدر خطر الإرهاب الذي يهدد أمتنا ومكافحته أجندة القمة العربية والخليجية، حيث يعتبر تهديداً وجودياً لأمن واستقرار الأمة العربية، ويسعى إلي تشويه صورة الإسلام ومجتمعاتنا ويختطف الشباب العربي ويدمر مستقبله، وامتدت آثاره السلبية على حالة السلم والأمن الدوليين، وستركز على طرق تحصين المجتمعات دينياً وفكرياً، وبحث كيفية تنفيذ الاتفاقيات المتعددة الموقعة بين الدول العربية وتفعيل دور مؤسساتها السياسية والأمنية والفكرية المعنية بمواجهة خطر الإرهاب.
عملية السلام
القضية الفلسطينية من أهم الملفات التي ستتصدر المناقشات، وكيفية التصدي لمحاولات الإجهاز على حقوق الشعب الفلسطيني ولم شمله والقضاء على الفرقة، ورفض الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إسرائيل الخاصة بالمستوطنات والضفة الغربية والقدس، والتأكيد على خطوات التصدي لمشاريع السلام التي لا تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني وتعيد حقوقه المشروعة، والتمسك بالقرارات الدولية، وإعلان الموقف العربي الذي يتمسك بحل الدولتين وانه لا سلام إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الدفاع عن الأمن القومي العربي
مواجهة تنامي الخطر الإيراني وأساليبه العدوانية والتوسعية هو ابرز الملفات التي ستعكف القمتين الخليجية والعربية، ومناقشة الوضع المقلق الذي الناتج عن الهجمات التي طالت مصافي النفط السعودية، وقبلها استهداف عدد من السفن في المياه الإقليمية لدولة الإمارات، بالإضافة إلى دعم إيران لميلشيات الحوثيين في اليمن التي تتبنى عمليات القصف الصاروخي المتكررة للسعودية واستهداف الأماكن المقدسة بالطائرات دون طيار،وبحث الوضع العربي الحالي وإشكالياته وترتيبات للأمن الإقليمي الخليجي والعربي في ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومخاطر انتشار الكيانات الإرهابية، وتطوير آلياتمنع التدخل الخارجي واستنزاف الثروات العربية.
إن التحديات المصيرية التي تجابه امتنا العربية والإسلامية تفرض على القادة والزعماء إصدار قرارات تتصدى لمجمل القضايا الإسلامية وتسعى للم الشمل وتحقيق التمسك بالدين خدمة للإسلام والمسلمين ووحدتهم، وتبني الخطط والاستراتيجيات التي تستطيع التعامل مع القضايا المصيرية التي تجابه الأمتين العربية والإسلامية، وما يتعرض له المسلمون من انتهاكات وجرائم قتل وتشريد في أكثر من مكان في العالم، وتعظيم نقاط التوافق التي تمكن القادة والزعماء من التحرك الجماعي لحل المشكلات والأزمات والتصدي للتحديات التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي وحماية مقدرات الشعوب ومنع محاولات الانتقاص من حقوقها ومصالحها أو التدخل في شئونها.