أكد نقاد الفن وخبراء الإعلام أنه رغم اهتمام القيادة السياسية بقضية الزيادة السكانية ومخاطرها على التنمية إلا أن المعالجة الفنية والتناول الاعلامي للقضية لم يكن على المستوى المطلوب، أوضحوا أن الاعمال الفنية القديمة تناولت القضية بشكل أفضل مما هو عليه الآن رغم التطور الهائل في مجال الاتصالات وانتشار الفضائيات وثورة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوا بأن تكون قضية الزيادة السكانية محورا أساسيا في الأعمال الدرامية التليفزيونية والسينمائية، مثلما كان الأمر في الماضي وأن يتم عرض الأعمال القديمة المتميزة أكثر من مرة لنشر الوعي بخطورة القضية بدلا من تهميش هذه الأعمال الرائعة ذات التأثير الإيجابي الواسع.
في البداية قالت الناقدة ماجدة موريس، إن الدراما المصرية في الوقت الماضي كان لها تأثير قوى للتوعية بقضية تنظيم الأسرة، وحققت نتائج جيدة واستجاب الكثيرون من أهل المدن تفهما واستيعابا للقضية التي تداهم كل جهود التنمية،منها مسلسل «وما زال النيل يجرى»، وأوضحت أن التناول الدرامي المباشر، الذى قدمته الفنانة القديرة كريمة مختار، عندما جسدت شخصية طبيبة تقدم إرشادات للمواطنين، حقق نجاحا كبيرا منذ أكثر من 20 عاما، كما أن فترة تولي صفوت الشريف وزير الإعلام، شهدت ازدهارا ملحوظا، فكان ينقل لصناع الدراما رسائل الدولة وأزمتها، وظهر ذلك في فترة صعود التطرف، حيث كلف وحيد حامد بكتابة مسلسل “العائلة” وغيرها من الأعمال التي كانت مواكبة للأحداث.
وعن غياب الأعمال الدرامية والفنية الحديثة التي تناقش تلك القضية، أرجعت ماجدة موريس، ذلك إلى أن قضية الزيادة السكانية نفسها تناساها المسئولون، وتوقفت تماماً خلال الـ10 أعوام السابقة، نتيجة التغيرات التى طرأت على التليفزيون المصرى، الذى أصبح غير قادر على قيادة حركة الدراما، بعد ظهور القنوات والشركات الخاصة، وتغيرت الكثير من المفردات.
وأشارت إلى أن سيطرة الشركات الخاصة التي هدفها الربح فقط وليس التوعية، جعلت الدولة لا تستطيع تبنّى قضية قومية، والسبب يرجع لعدم وجود وزير للإعلام، وهو ما أضعف سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، وأفقدها ذراعها الإعلامية، كما أن الأزمة السكانية تحتاج إلى فريق فنى خارق، يؤمن بها.
تأثير الدراما
ويرى الكاتب الصحفي سمير الجمل- الناقد الفني- أن الدراما لها تأثير أقوى من أي تأثير آخر، لأن المواطنين يشاهدونها بكامل إرادتهم، بعكس الوعظ في الكنيسة أو المسجد، لأنهم يعتبرونه واجبا دينيا، إلا أن الدراما بها جانب ترفيهي يمكن أن يتم التقديم من خلالها كل القضايا التي نود التوعية بها مثل التنمية والحملات الصحية وغيرها مثل الوعي الديني.
أوضح أنه يمكن تقديمها من خلال القصص والمسلسلات الدينية، موضحا أن القصة والدراما تعلق بالذهن، ويظل يتذكرها الإنسان لفترة طويله مثل حكايات الأجداد لأن هذا هو أرقي مستوى تعليمي لأنه مرتبط بالصورة الذهنية.
وأشار إلى أن الدراما تقدر تلعب الدور في جميع الاتجاهات، لكن ينبغي أن يكون القائمون على انتاج مثل هذه الأعمال الدرامية لديهم الوعي الكافي بالقضايا الملحة التي يعاني منها المجتمع، حتى يتم تسليط الضوء عليها وإنتاج العديد من الأعمال الدرامية للتوعية به”.
وأكد الجمل، أن تراجع الأعمال الدرامية الهادفة لمعالجة قضية الزيادة السكانية، مسئولية الدولة والقائمين على انتاج الأعمال الفنية، وليس المؤلفين لأن المؤلفين يستطيعون أن يكتبوا العديد من الروائع التي تعالج تلك القضايا”.
وعن المعالجة الفنية الجديدة لتلك القضايا وعلى رأسها قضية الزيادة السكانية، أوضح سمير الجمل أنه لابد أن يكون هناك معالجة جديدة تجذب الجيل الحالي، الذي أصبح يعبر عن رأيه بأريحية شديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويحتاج إلى ما يواكب العصر الحالي لإقناعه بأهمية قضية الزيادة السكانية”.
التناول الإعلامي
أكد د. صفوت العالم- الأستاذ بكلية الإعلام، جامعة القاهرة- أن قضية الزيادة السكانية مهمة، ولابد من تسليط الضوء عليها من قبل الدراما، لاسيما وأن الدراما عصب التفكير في كل قضايا المجتمع، وتعد وسيلة التأثير الساحرة في حل تلك المشكلة، فضلا عن أن الدراما الموجهة لا تأتي بأي نتيجة، ولكن الدراما الواقعية التي تمثل مختلف الآراء هي ما ستأتي بنتيجة، فالدراما يمكنها تناول الموضوع من كل جوانبه، وتساهم في حل الأزمة.
وطالب د. العالم، بضرورة عرض الأعمال الفنية القديمة التي ناقشت القضية، حتى ولو في الفترات الماضي، مثل مازال النيل يجري، وللأسف لم يتم إذاعة وعرض المسلسل سوى مرة واحدة ثم قامت ماسبيرو زمان بعرضه على استحياء، ولهذا أطالب بإعادة عرض الأعمال الفنية القديمة التى ناقشت القضية بشكل مؤقت ومن ثم التخطيط لتنفيذ أعمال جديدة تناقش القضية بشكل مختلف، ولكن علينا ألا يتم تنفيذ هذه الأفكار الجديدة من خلال ورش الكتابة لأن هذا غير منطقى فى الوقت الذى لدينا فيه مؤلفين قادرين على صياغة المشكلة بوقتها الحالى بمفردهم دون ورش كتابة.
وأكد د. العالم أن الاعمال القديمة مثل “أفواه وأرانب”، «الحفيد»، « أم العروسة» «عالم عيال عيال»، كلها أعمال سينمائية ودرامية جسدت قضية الزيادة السكانية، وأثرها على المجتمع والفرد نفسه الذي لا يستطيع الحصول على فرصة جيدة سواء في التعليم أو الصحة أو السكن الآدمي، إلا أنه بعد فترة طويلة غابت تلك المعالجة عن الكثير من أعمالنا الدرامية والفنية، باعتبارها القوى الناعمة التي بدورها تساهم في تشكيل الوعي وتحقق الهدف.