كيف يموت الإنسان وهو على قيد الحياة؟! هذا سؤال لم يكن استنكاريا وانما لتأكيد حقيقة. نعم حقيقة لا يدركها كل البشر .. لكنها حقيقة تتجلى أمام أعين من يشتخطى به العمر .. يدركونها لا عن فلسفة ولا عن دراية اطلاعية ولا غيرها وانما دراية المعايشة وتسلسل طول العمر ومعايشة الحياة بخطوبها ودروبها وجمال انسها ووحشة زوال الأنس.
حقيقة الموت، وانت حي، كنت كثيرا ما اتجاهلها عمدا لكنها كانت تلاحقنى فتؤرق منامى وتؤلم مضجعي. تظلم ليلى وتزمهر نهارى لكنها طغت على كل نفسى فهامت داخل مقلتى ففاضت عينى لها دمعا مستمرا، سيطرت على جسدى فخارت قواي، سيطرت هذه الحقيقة بعد أن تضخمت فور فقدان شقيقتى الايام السابقة. والتى كانت الأم البديلة بعد وفاة امي. بفقدها فقدت بصرى او كدت. فلم أعد اميز ما هو أمامى فلم يولد الليل فى نهارى ولم اميز شروق النهار من ظلمة الليل. فضلا عن الألم المضنى الذى هز كيانى .نعم فقدت بفقدانها اعظم عضو فى جسدى المنهك الذى لم يبق فيه الا قلب ينتظر أن يتوقف بعد أن توقفت أجزاء كثيرة من هذا الجسد الواهن، نعم هذه حقيقة بعد أن فقدت اعزاء يمثلون حقبة من عمرى كانوا هم رصيدى الضخم فى حياتى فقدت اعزاء كثر كانوا نجوما فى ظلمة الليل ونسمات رقيقة فى دجى النهار. فاى جمال لهذه الدنيا بعد أن تاه منى الزمن والمكان؟! هذه حقيقة.
أدركها حينما يأخذنى حنين قلبى الى المقابر فأشعر بعودة الحياة وانا فى صحبة الأموات أدرك أن من تحت التراب أكثر ممن اعاشرهم واعرفهم فوق التراب!
لقد وصلت لحالة امتلك فيها من حطام الدنيا. قلبا أتمنى أن يكون خاشعا لله هائما فى حبه تعالي.
رحم الله أمواتنا وجمعنى معهم عند حوض رسول الله.