مرحباً بك يا رمضان، هلّ هلالك وافرحنا بك، نثرت البهجة، طرحت الرحمة، محوت الغُمَّة، نضرت الأمة، مرحباً بك يا رمضان.
لم يعبأ عم رمضان بهذه الكلمات المادحة، تجاهلها وكانت نظارته الجاحظة تقول لي: مدحك يا ابني يخبر عن أنك إما جاهل أو أعمي أو أهبل.
ظهر لي عم رمضان بوضوح، فكانت هيئته رثَّة، ونار الغضب تشتعل فوق محياه، السواد يكسو وجهه، وتجاعيد جبهته تظهر وكأنها جبال لا تعرف الانبساط، عيناه تنبعث منها الغضب، وتنحدر الدموع الحارقة من مقلتيه، ظهر غاضباً يبدو من هيئته الوهن والضعف، ومن حركات يده، وكأنه يقول (عوضي على الله).
قلت له مداعباً: ما لك يا عم رمضان؟! ما لك يا شهر الانتصارات؟! يا شهر الخير والبركات؟!
ضحك ضحكة بلهاء متهكماً: يا ولدي ألم تعاهدني على العزة والإقدام والسمو الإنساني؟!
قلت: نعم، هذا ما تعاهدنا عليه العام الماضي، ولكن ما الجديد الذى يزعجك؟!
قال: الجديد، أنك لم تكن رجلاً، لا كلمة لك ولا عهد ولا عزم على ما اتفقنا عليه!
يصمت برهة، وينفث عن غضبه: أين العزة، أين القوة التي وعدتني بها، أنت وأهلك كالقصعة، التي تتداعي عليها الأكلة، فطوب الأرض ينهش في جسدكم، فماذا فعلت؟!
أي خنوع هذا الذى يشل جسدك فلا تتحرك لك شعرة، ورسول الإنسانية يُهان في بلاد الأرض؟!
أي مشاعر صماء هذه التي لا تهتز، والمسلمون تنتهك أعراضهم في مشارق الأرض مغاربها؟!
أي غباء هذا الذى يملأ دماغك، وأنت لا تعرف عدوك من حبيبك، لا تعرف عدو دينك من مناصره، اتخذت من عدوك وعدو دينك حليفاً وصديقاً، ونصبت عداءك لأخيك وأبناء عشيرتك.
تُنتهك بيوت التوحيد فلا تتحرك لك شعرة، وتُنتهك بيوت الشرك فيعتصر جسدك وتغلي الدماء في عروقك!
أي وضاعة هذه التي هيمنت علي سلوكك، وأنت تتعامل مع كل الناس بالنصب أحياناً، والسرقة أحياناً اخري، والنهب تارة، والرشوة تارة أخري، والكذب معهم والنفاق!
أي هلاك هذا الذى يسيطر علي لسانك وهو يقطر بسموم الألفاظ، فأصبحت لغتك منفرة تسأم منها النفوس الخيرة، والطباع الطيبة، حتي لغتك، لغة القرآن أصبحت كغريب الدار علي لسانك!
يا ابني، أتيت هذا العام وكلي حب ويقين بأني قادم لأعيش شهراً وسط الأحياء، ولكن من المؤكد أنني بت وسط القبور، الكل منكم موتي، فماذا يفيد الضياء في ظلام القبور؟!