بالأمس القريب تحدثت فى مقالى “إستراحة قصيرة” عن الناس التى تصوم عن الطعام والشراب ولم تصم عن أعراض الناس، وذكرت من يصلى وهو لم يصل! وتعجبت ممن يخرج أموالا صدقات ولا يحسب الزكاة المفروضة منه، وكذلك الحج الذى أصبح فاخرا جدآ حتى تحول إلى بوفيه مفتوح ولم يعد فيه الإحساس بسواسية الناس عند الله فى يوم القيامة والتى يذكرنا بها الوقوف بعرفات فى مشهد مهيب! ثم ختمت مقالى بأنه ليست العبادات فقط التى أهمل فيها بعض الناس ولكن كذلك الأخلاق التى سأتحدث عنها اليوم، وقد حضرنى موقف بمناسبة الحديث عن أن الناس سواسية عند الله تعالى يوم القيامة لا فرق بين إنسان واخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، ففى يوم ما رأيت شابا فى بداية التعليم الجامعى يتحدث مع صاحب العمل بإسلوب لا يليق مطلقا، بل قولوا إنحطاط فى الأخلاق وكانت حجته أن الناس جميعا سواسية عند الله ولا يحق لصاحب العمل أن يعنفه أو يوجهه لأنهم متساوون ولا فرق بين أى أحد، وهنا تدخلت وقلت له: يا بنى ما هذه الأخلاق السيئة؟ ما تتحدث عنه ستراه فى يوم القيامة، أما فى الدنيا فالناس متفاوتون وتختلف درجاتهم ويجب إحترام الكبير وصاحب العمل والتحدث معه بإحترام شديد، ولقد أخبرنا الله تعالى فقال: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون)، يا بنى إذا كان الله تعالى قد خلق الناس متفاوتون ليكمل كل منهم الأخر، فأنت عندك الصحة لتعمل ولديك معرفة ببعض الأشياء لا يعلمها الشخص الأخر، وهو لديه المال ليعينك على الحياة وهكذا مع كل فرد تكتمل دائرة الحياة، أما أن تتحدث بقليل من الأدب مع من تأخذ منه راتبك بحجة أن الناس سواسية وليس بينهم فرق فهذا يتعارض تماما مع منهج الله ومنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال: (ليس منا من لم يوقِّر كبيرنا ويرحم صغيرنا).
أيها السيدات والسادة: أين الأخلاق؟ أين منهج قدوتنا الحسنة، لماذا تغيرت الأخلاق هكذا وظهرت الأنانية المطلقة، الأن الكل يقول نفسى نفسى، أنا لا أعمم الظاهرة ولكنها حقا انتشرت واستفحلت حتى أصبحت مخيفة، لقد غابت الشهامة والشجاعة والمروءة، لقد قل الحياء وتبجح الكثير فى الحديث خصوصا هذا الجيل من الشباب، هل هذا الجيل هو من سيحمل ويقود زمام الأمة بعد عدة سنوات؟! أيها الشباب عودوا إلى صوابكم وإلى الفكر الوسطى المستنير، وانزعوا هذه الأفكار العقيمة وهذا الفكر الهدام، لقد خُلقنا لنعبده ولنبنى ونعمر الكون ونتحلى بالأخلاق الحميدة ولذلك عندما سئل النبى عن أكثر ما يدخل الجنة؟ قال: (تقوى الله وحسن الخلق)، ليتنا نعود إلى زمان كنا نرتجف من نظرة الكبير وكنا نستحى من رفع أعيننا فى شيخ طاعن أو نتحدث معه بسوء أدب، أتدرون لماذا وصل بنا الحال هكذا؟ لأن الدنيا غلبتنا وتمكنت من القلوب ولم يعد الكثير ينظر إلى الآخرة وما سيلاقيه فيها إذا لم ينتبه ويعود إلى الطريق الصحيح الذى يوصل إلى رضوان الله، إنتبهوا وأفيقوا فالحياة قصيرة جدآ وكأنها ساعة تمر بسرعة مخيفة فاغتنموها فى طاعة الله وما يرضيه، والآن بعد هذه الإستراحة القصيرة التقطوا أنفاسكم وهلموا للعمل الذى يوصلنا إلى جنة النعيم.