(عرفها وآمن بها صحابتهُ من غير العرب)
فكان منهم: بحيرة الراهب، و بلال ابن رباح الحبشي، و صهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وعداس الغُلام النصراني، حتى أصبح منهم كبار الصحابة وأعلم الناس بالسنة النبوية و رواةَ للحديث.
علامات النبوة عرفها أُناس من غير العرب أمنوا بها وصدّقوها، وآمنوا بالرسالة التي جاء بها النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، تلك الرسالة التي أشرقت بنورها ظلُمات الجهل والضلال والشرك وعبادة الأصنام والأوثان إلي نور العلم والإيمان وعبادة لله وحدهُ لا شريك له، تلك الرسالة التي تسموا فيها كل معاني القيم الإنسانية تُحرم القتل إلا بالحق تنهي عن فعل المحرمات وشرب الخمرّ والميسر والربا وارتكاب الفواحش و الزنا والكذب والنميمة، وتحُض الناس علي الصدق و صلة الأرحام، والإحسان إلي اليتامى والفقراء والمساكين.
بحيرة الراهب:
كان عندهُ علم أهل النصرانية، وهو في صومعتهُ ذات يوم مرة عليه قافلة التجارة القادمة من مكة إلي الشام رأي غَمامه تُظلل النبي صلي الله عليه وسلم و تحميه من حرارة الشمس، تُظلله أينما ذهب وكأنها تحرُسهُ وتحميه فأخذ يتأمل في ملامحهُ وهيئته فعلم أنها علامة من علامات النبوة فأراد أن يتأكد من ذلك، فأمر بضيافة القافلة ومن فيها جميعاً علي غير عادتهُ فلما غاب عنهم النبي محمد صلي الله عليه وسلم، سأل أبي طالب هل من أحدٍ غائب بالقافلة قال أبي طالب: نعم غُلام يمكُث بجوار الأمتعة لحراستها، – قال: أبعثوا إليه فلما جاء سأل هل الغُلام ابنك قال: انه ابن أخي و كان يعلم أوصافه في الكتاب أنه يتيم ، فأوصي بحيرة الرهب أبي طالب أن يعود به إلي مكة بعد أن رأي بعينهُ خاتم النبوة بين كتفيه وبشره بأنه سيكون نبي هذه الأمة، وأن يجعلهُ تحت حمايتهُ خوفاَ عليه.. وقال: لو علما بأمره اليهود لقتلوه فكان بحيرة الراهب ممن عرف و صدّقَ بعلامات النبوة لأنها موجودة ومذكورة عندهم في التوراة و الإنجيل.
بلال بن رباح الحبشي:
كان بلال ابن رباح حبشي الأصل، ولدا في مكة بعد عام الفيل بثلاثة أعوام، قيل أنه كانت أمهُ تُدعي حمامه، و يُقال إنها كانت ممنّ جاء مع أبرها الحبشي الذي كان يُريد هدم الكعبة ونجت من الموت والهلاك الذي نزل بالجيش، عاشت في مكة وأصبحت أمةً عند بني جُمح، فكان بلال عبداً يرعي الأغنام لعبد الله بن جَدّعان والذي اشتراه فيما بعد من بني جُمح، مرّ بلال بالغنم علي النبي صلي الله عليه وسلم وكان النبي معتزلاً في الغار للعبادة بصحبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأطلّ النبي رأسه من الغار
فناداه- قال: يا غُلام هل من لبنّ ؟ فقال بلال: ما لي إلا شاه منها قوتي، فان شئتُما آثرتُكم بلبنهِا اليوم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: آيتي بها ، فجاء بها فأمره رسول الله بإحضار قدحاً أو بإناء” فحلِبَ الشاه حتى ملأه فشرب حتى روي، ثم حلِبَ حتى ملأه فسقي أبا بكر حتى روي، ثم حلِبَ حتى ملأه فشرب بلال حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل مما كانت أي- ضرعُها مُمتلئ، ثم قال: هل لك في الإسلام ؟ فاني رسول الله فصدّق وأسلم علي الفور،.. فقال له: أُكتُم إسلامك، ولقد سمِعَ بلال قبل ذلك من سادة قريش وهم يتكلمون عن محمداً وانهُ يدعو إلي الإسلام وعبادة الله الواحد وأن كل الناس سواسيا لا فرق بينهم في لون ولا جنس، ولا غَني ولا فقير إلا بالتقوى ، ففعل وانصرف بغنمه وبات بها وقد تضاعف لبنُها ، إنها علامة النبوة المعجزة والبركة التي حلت بالغنم، فقال له أهله: لقد رعيت مرعي طيباُ فعليك به فعاد إليه ثلاثة أيام يسقيهما من لبنُها ويتعلم الإسلام حتى عِلمَ المشركون بأمره فكان ثاني واحد يُعلن إسلامه علي الملاء بعد أبي بكر فقاموا بتعذيبهُ بأشد العذاب فهو الذي آمن بعلامات ومُعجزات النبوة فصدّقها وأصبح مؤذن الرسول صلي الله عليه وسلم لنقاء وعذوبة صوته ومن كبار الصحابة.
صهيب الرومي:
هو صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو، وقيل أمه من بني تميم بن مرة فهو عربي الأصل، كان أبوه حاكم الأبلة وولياً عليها لكسري عظيم الروم، خرجت به أُمهُ في ذات يوم لنزهة فأغارت عليهم الروم و أسروهم فباعوهُ وهو صغير، فكان صاحب بشره بيضاء وشعره أحمر فنشاء بينهم، ثم اشترته من الروم قبيلة كَلاب ثم باعوه إلي عبد الله ابن جدّعان ثم أعتقه وعمِلَ بالتجارة ونمت تجارته فكان من كبار التجار، اشتهر صهيب برمي السّهام حتى أصبح أرمي الناس، وعندما خرج مهاجراً إلي المدينة ليلتحق بركب الإسلام لحقتهُ قريش يُريدون قتله، فقال لهم: تعلمون أني أرمي الناس وهددهم برمي سهامهُ عليهم إن لم يتركوه وشأنه، وقال لهم: خذوا مالي واتركوني فتركوه وأخذوا ماله، ونزل فيه قول الله تعالي:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))، ولما التقي به رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له: “ربِحَ البيع أبا يَحي ربح البيع أبا يَحي”
عداس النصراني:
كان عداس غُلاما عند عتُبة وشيبة ابني الربيعة بالطائف، شهد زيارة النبي محمد صلي الله عليه وسلم الطائف، قدم عداس قُطفاً من العنب في طبق ولما تناوله النبي صلي الله عليه وسلم قال: بسم الله ثم أكل، فقال عداس والله ما سَمِعت أحد يقول هذا الكلام في هذه البلاد، فقال له النبي: من أي البلاد أنت وما دينُك، قال: أنا نصراني من نينوى، قال النبي: من قرية الرجل الصالح يونس بن متى، فقال له عداس: وما أدرك بيونس بن متى، فقال نبي الله صلي الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبياً وأنا نبي، فأكب عداس علي رسول صلي الله عليه وسلم يُقبل رأسهِ ويديهِ وقدميه،
ثم قال ابنا ربيعة: أحدهُما لصاحبه أما غُلامك فقد أفسده عليك محمد، وفي غزوة بدر قال ابنا الربيعة: جهز نفسك للحرب يا عداس، قال حرب منّ؟ قالوا نحارب محمد، قال: ذلك الرجل الذي قدمتُما له العنب عند الشجرة، قالوا: نعم، قال: لا تحاربوه – والله لم تقف أمامهُ الجبال انه نّبي، فكانوا أول قتيلين في غزوة بدر.
سلمان الفارسي:
كان يُكني بأبي عبد الله، من أصبهان عايش المجوسية والنصرانية واليهودية قبيل ظهور الإسلام وظل يبحث عن الدين الحق إلي أن هداه الله إليه وعند مقدم النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة أسلم رضي الله عنه حتى لُقبَ بالباحث عن الحقيقية ، منعهُ الرّق من شهود غزوة بدّر وأُحد، وكان عبداً عند يهودياً من بنّي قريظة في المدينة، فكان أول غزوة غزاها مع النبي صلي لله عليه وسلم ” الخندق، وهو صاحب فكرة حفر الخندق تلك، قال عنه الذهبي في السيّر”كان لبيباً من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائُهم” وهو ابن الإسلام، سَابق الفرس إلي الإسلام وصّاحَب النبي صلي الله عليه وسلم ولازمهُ وخدمهُ وكان من رواة الأحاديث رضي الله عنه.