فى كل عام نحتفل بمولد الرسول- صلى الله عليه وسلم- يتجدد فيه السؤال حول مشروعية الاحتفال به؟! ورغم أننا نجد الكثير من المسائل الخلافية بين العلماء القدامى التى أدلى فيها كل منهم بدلوه وخالف الآخر، إلا أننا نجد الأمر قد حُسم وانتهى اللغط حوله، لأن هناك من أباح وآخر قد كره، وعلى كل مسلم أن يأخذ بما يوافق ظروفه وييسر له أمور حياته وترتاح له نفسه، أما الأمور المستحدثة فالمشاهد أن بعض من خاض بحر العلم لم يفهم أصوله وقواعده، لذا لا يفهم معنى الاختلاف فى الرأى بل يصر على فرض رأيه وإثارة البلبلة والتشكيك والغمز واللمز ويكثر من اللغط حول مسائل اجتهادية وأمور مستحدثة ويشغل بها الناس ويظهر الخلاف فى الأمة حول نبيِّها! مع أن هناك من الأمور ما يجب أن يهتم الناس به أكثر من هذا!
والأمر لا يجب أن يأخذ هذا المنحى أبدا, أى لا يجب أن يدور الحوار فيه حول الحل والحرمة , لأن تحريم الشئ لابد أن يكون بنص صريح فيه نهى للتحريم, وليس مجرد نهى ويدل عليه عقاب, وأما ترك الرسول فليس فيه دليل على التحريم، ولذا قام العلاّمة المحقّق الحافظ السيّد عبدالله بن الصّدّيق الغماري بتأليف رسالة رائعة بعنوان (حسن التفهم والدرك فى مسألة الترك) وأجاد فيه.
أما من يرفض الاحتفال لأن النبى والصحابة لم يفعلوه ويدّعى تحريمه لأنه بدعة، فيُرد عليه بما ورد عن الإمام الشافعى- رضى الله عنه- أن البدعة تنقسم إلى محمودة ومذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم.
وعلى هذا فمن يرفض الاحتفال فعليه أولا أن يرفض كثيرا من الأشياء التى أحدثت بعد عصر النبى ومنها تدوين السنة والحديث كله! وكذلك صلاة التراويح فى جماعة لم يفعلها النبى ومع ذلك أقرها عمر لمن فعلها، وختم القرآن بالحرمين وبالمساجد فى صلاة التراويح فى رمضان من كل عام، فكل هذه بدع حسنة لم يفعلها الرسول ولا الصحابة وإنما نقر بأنها عمل يوافق السنة ولا يخالفها فنعم البدعة هذه!
أيضا الاحتفال بالمولد هو نوع من إظهار الدعوة الإسلامية فى البلاد، ومدعاة ليسأل الناس عن أسباب الزينة والاحتفال والحلوى وغيرها من أشياء لا تخالف الشريعة الإسلامية بل تتماشى معها، فيكون السؤال سببا للجواب لمن لا يعرف ومزيدا من المعرفة لمن لديه قِلَّة من المعلومات عن الإسلام ونبيه الكريم، فلو أن البلاد التى تختلط فيها ديانات مختلفة مسيحية ويهودية وبوذية وإسلامية فهل يترك كل هؤلاء يحتفلون بمناسباتهم الدينية ويظهرون وطنهم بمظاهرهم الدينية فى المناسبات المختلفة ولا يكون هناك أى مظهر للمسلمين واحتفالاتهم والادعاء بأنها بدعة؟!
أما حديث الرسول: “من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” لم يقل (من أحدث فى أمرنا هذا فهو رد) لأنه لو قال هذا لما كان هناك مجال للاجتهاد ولا للسنة الحسنة أو البدعة الحسنة أو الإتيان بما لا يخالف الدين فى شئ بل قد يخدم الدين ويدفع عنه الكثير بل قال: “ما ليس منه” وقد يتضح المعنى أكثر بحديث أبو إسرائيل، وهو ما ورد بسنن أبى داود باب “الأيمان والنذور” عن ابن عباس قال: بينما النبي- صلى الله عليه وسلم- يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم! قال: “مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه” فرفض النبى من نذره ما ليس من الإسلام، وهو مجرد القيام والوقوف وتعذيب النفس بالوقوف فى الشمس والانقطاع عن الكلام، وإن كان عند من سبقنا من الأمم والشرائع إلا أنه ليس فى الإسلام ولا يقره كالرهبانية وإنما أقره فقط على الصوم عن الطعام لأنه من الشعائر الإسلامية، ولذا قال البعض: (من أحدث فى أمرنا هذا ما هو منه فليس برد) ولذا فمن السنن والبدع الحسنة ما يحدث اليوم فى الحرم المكى والنبوى ويعمل به كثير من المسلمين فى شهر رمضان من ختم القرآن كاملا فى صلاة التراويح وهو ما لم يفعله النبى ولا الصحابة ولا التابعون، فلماذا نقر بعض السنن الحسنة ونرفض غيرها مما لا تخالف أصل الدين فى شئ؟!