إن صمود الأمم لا يكون من خلال قاداتها فقط، وإنما بشعوبها أيضاً، وهذا هو الأهم، كما أكّد ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال تخريج دفعة جديدة من طلبة الأكاديميّة والكليّات العسكرية، بحضور أولياء أمورِهم وكبار المسئولين فى الدولة المصرية، مؤكّداً أن الله تعالى أنعمَ على مصر بالأمن والأمان والاستقرار، فى ظلّ وجود قلاقل واضطرابات فى كلّ الجبهات المحيطة، ما دفع أبناء تلك الدول والشعوب أن تلجأ لمصر طَلَباً للأمن والاستقرار، ولم تُقَصِّر معهم مصر فاحتضنتهم كضيوف مُرَحَّب بهم، ولم تُعامِلهم كـ”لاجئين” مثل بقيّة الدول.
كلّ هذه الأوضاع والمواقف يجب أن نضعها- نحن كمصريين- أمام أنظارنا فى مواجهتنا للتحديات والأزمات التى تُحْدِقُ بنا من كل جانب، وكلها فى حالة اشتعال ونار مستَعِرَة تتحيَّن الفرصة تلو الأخرى لتنال من “أُمِّ الدنيا”، وهى تستكثِر ما أفاء الله تعالى به علينا من نعمة الأمن والأمان والاستقرار! لكن هيهات لها أن تنجح فى مخطّطاتها الخبيثة، لعدّة أسباب على رأسها وأهمّها: عناية الله ورعايته وحِفْظه الذى تكفَّل به سبحانه لمصر المحروسة، وسَجَّله القرآن الكريم فى أكثر من موضع، ووصْفِه لمصر وأهلها بل لضيوفها أيضا بالأمن والأمان، حيث قال على لسان سيّدنا يوسف- عليه السلام-: ” ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (يوسف:99).
ثم يأتى بعد ذلك، “وعى” المصريين أنفسهم بقُدْرَاتهم وإمكاناتهم، وخطورة ما يُحاك ويُدَبَّر لهم، وإيمانهم وحرصهم على الوقوف صفًا واحدًا خَلْفَ قيادتهم، وعدم الانسياق وراء دعوات الفُرْقَة والانقسام، خاصة فى ظلّ الحروب المختلفة والمتنوّعة- عسكريا وتكنولوجيا وافتراضيا- والتى باتت تُعرف بوصْف حروب الجيل، من الأوّل حتى الخامس، وما هو قادم بالطبع أسوأ وأشدَّ خطرًا وبأسًا على أوطاننا ومجتمعاتنا.
ويُتَرْجِم هذا الوعى والحرص على الوطن وأهله، مَعْدَنُ الوطنية والإخلاص الذى تتميّز به قيادات الدولة المصرية، على مرِّ العصور والأزمنة، وحِرْصُهم على حفظ الأمانة وعدم التفريط فيها مهما كانت الظروف، لتسليمها إلى الأجيال القادمة كاملةً غير منقوصة فى مكانة أو إمكانات، بل مرفوعة راياتها خفَّاقة فى عنان السماء.
إن قيمة “الوعى” هى قضية كل عصر وكل مجتمع، لأنه بغياب الوعى، تتهاوى المجتمعات، ويتصارع الأفراد على “اللاشئ” فتسقط الأمم أمام أضعف مخطط استعمارى.
ولهذا نقول لبعضنا، ونُذَكِّر أنفُسَنَا بأن “الوطن غالى”، بل هو أغلى ما نملك، ومن ثمَّ فالحفاظ عليه أسمَىَ وأغلى غاية، نفديه بأرواحنا وكل ما نملك، ليحيا الوطن شامخا، فـ”تحيا مصر” لم تنطلق من فراغ، إنما هى عقيدة ووطنية فى قلب وعقل كل مصرى أصيل، ويكفى أن ذكر اسم “مصر” يُثاب قائله بعشر حسنات عن كل حرف، كما قال سيّدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه سيّدنا عبدالله بن مسعود- رضى الله عنه-: ” منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”، وينطبق هذا على “مصر” التى ذُكِرَت فى كتاب الله الكريم أكثرَ من مرّة- تصريحا وتلميحا- فإسمها مُبارك ومُخَلَّد، بفضل الله، ثمّ بشعبها، فاللهم لك الحمد والشكر على نِعَمِك وآلائك، واحفظ مصرَنا وأهلَها على الدوام، يا ربّ العالمين.