تحقيق: مروة غانم
فى خضم الأحداث الدامية التى تحدث لإخوتنا فى غزة وبيت المقدس، وقتل قوات الاحتلال الصهيونية للآلاف من الأطفال والرجال والنساء بكل وحشية ودموية وبلا رحمة ولا انسانية! ولم تكتف بالقتل بل راحت تهدم البيوت وتستهدف المستشفيات! بل منعت دخول المساعدات الانسانية لهم!
وسط هذه الأجواء المحزنة لا نملك سوى التضرع الى الله برفع هذا البلاء ونصر اخوتنا فى فلسطين.
وليس بغريب أن تجد من يساند الصهاينة من شركات ومصانع ومطاعم عالمية، فروعها تنتشر فى كل الدول العربية بل قيام بعضها بإرسال مساعدات للداخل الاسرائيلى، مساندة منها ودعما لها.
لذا ارتفعت أصوات الكثير من رواد السوشيال ميديا بضرورة مقاطعة هذه المنتجات وتكبيدها الخسائر كردِّ فعل على دعمها للكيان الصهيونى.
وفى مقابل هذه الأصوات نجد من يتعاطف مع العمال والموظفين المصريين والعرب العاملين بهذه الشركات وتلك المصانع.
حول الموقف من المقاطعة للمنتجات والشركات الداعمة للكيان الصهيونى دار هذا التحقيق حيث أكدت د. ثناء الشيخ- رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن- أنه لا يجوز مظاهرة الكفار على المسلمين إلا للضرورة كمن لم يجد عملا يعيش ويقتات منه خوفا من المجاعة والموت جوعا لأن الضرورات تبيح المحظورات. وقد سمح الله للمسلم ألا يلقى نفسه الى التهلكة بالموت أو الجوع أو الانتحار لقوله تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ) آل عمران: 28.
وقد استنبط العلماء من هذه الاية جواز التقية بأن يفعل المسلم ما يخالف الحق توقّى ضرر من الأعداء يعود على النفس أو العرض أو المال.
وشددت على أنه من كمال ايمان المسلم ألا يخاف فى الله لومة لائم فقد كان النبى وأصحابه يتحملون الأذى فى سبيل دعوة الدين, وقد نص الفقهاء فى كتبهم على تحريم بيعهم ما يستعينون به على المسلمين سلاحا أو عتادا ولا أن يباع لهم طعام ولا شراب ولا ماء ولا خيام ولا شاحنات ولا أن تعقد معهم عقود صيانة أو نقليات إلا لضرورة المسلم الملحة وتعرضه لخطر من موت أو اضطهاد اذا كان فى بلد غير بلده. ومن واجبنا تكثيف الدعاء لاخواننا فى غزة ومساعدتهم بالمال والطعام والعلاج.
وقود الحرب
أما د. محمود عبده- رئيس قسم التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر- فأوضح أن ردع اسرائيل وردّها عن طغيانها يكون بمواجهة داعميها ومؤيديها من القوى الدولية بكل الوسائل الممكنة, ومن ذلك المقاطعة الإقتصادية لما تنتجه تلك القوى الدولية, فالاقتصاد هو وقود الحرب ودافع السياسة والمتحكم فى القرار.
وأكد أن المقاطعة سلاح فعال ذو أثر بالغ, تتحدد نتيجته على مدى قوّتها ونوعها فقد هدّد بها يوسف اخوته إن لم يأتوه بأخيه, كما استخدمها المشركون مع النبى لمدة ثلاث سنوات وكانت قاسية عليه وعلى أصحابه, واستخدمها الملك فيصل ضد داعمى اسرائيل فى حربى 67 و73 ومنع البترول عن انجلترا وأمريكا وكان سلاحا قويا شديد التأثير.
أضاف: المسلم مأمور بأن يرد العدوان ويقاومه بكل ما يستطيع والمقاطعة قد تكون أدنى درجات هذا المستوى فهى أمر يسير لكن أثره كبير.
أما بالنسبة للذين يعملون فى هذه الشركات والمطاعم فأمرهم يختلف بين مضطر ولا وسيلة له غير ذلك العمل، وبين من هو غير مضطر وله بدائل, فالاخير لن يضره شئ من المقاطعة بل سيكتسب نفعا كبيرا يكون له خير فى كسبه البديل وهو طاعة الله فى رد العدوان ونصرة من أمر بنصرته. أما من ليس له عمل أخر أو يرى ذلك فعليه أن ييقن فى عطاء الله وأنه يرزق المتقى من حيث لا يحتسب لقوله تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.
اليقين فى الله
توافقه الرأى د. دينا سامى- مدرس التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر- مؤكدة أن المقاطعة السلاح المادى الفعال والمؤثر والمتاح للمسلمين والعرب المحتقنين مما تفعله اسرائيل فى اخواننا بفلسطين بعد منع وحجب كل المنشورات التى ينشرها المسلمون وتدين الكيان الصهيونى وتكشف عن جرائمه ووجهه القبيح ازاء إخواننا فى فلسطين.
وطالبت بدعم وتفعيل المقاطعة مع كل شركة ومنتج يدعم الكيان الصهيونى، خاصة بعد تغيير الكثير من الشركات اللوجو الخاص بها الى صورة العَلَم الاسرائيلى, فاذا كان أهل الباطل يفعلون ذلك فما بالنا نحن المسلمين نقف مكتوفى الأيدى وهذا أضعف الإيمان؟!
أضافت: يجب الا نستهين بقوة المقاطعة وتأثيرها الفعال خاصة أن المنتجات البديلة متاحة ومتوفرة للجميع، أما العمال المسلمون الذين يعملون فى هذه الشركات فعليهم أن يعوا جيدا أن تركهم للعمل بها لن يكون أغلى مما يحدث للمسلمين فى فلسطين الذين يفتقدون لأقل مقومات الحياة، كما أن الأرزاق بيد الله، فالله لن يتركهم بل سيعوضهم عملا خيرا مما كانوا فيه.
ولفتت الى أن الاستهانة بالصوت شئ خطير ومحبط للهمم، كما أننا لن ننتصر بالكفاءة العسكرية فقط انما سننتصر بالايمان بالله واليقين بنصر الله وبالدعاء.
لكن د. على منصور- رئيس قسم الدعوة والثقافة الاسلامية بكلية الدعوة بجامعة الأزهر- يرى أن موضوع المقاطعة يعتبر من المسائل التوقيفية التى لا يؤمر بها ولا يُنهى عنها, ولكل عامل حريته فى اتخاذ قراره إما بالاستمرار فى العمل أو البحث عن عمل آخر.