قضيتُ أكثرَ من نصف عُمرى فى رحاب «عقيدتى»، بل لا أكونُ مُجَافِيًا الحقيقة إنْ قُلْتُ: حياتى كلّها، فقد بدأتُ مَسِيْرَتى المِهنيّة الفعليّة مع تباشير إصدار «عقيدتى»، وإنْ كنتُ قد تَنَقَّلتُ فى عددٍ من دُوْر ومؤسّسات الصحُف العريقة منذ بداية التسعينيّات، حتّى استقرَّ بىَ المقامُ المهنى فى «دار الجمهوريّة» التى هى «دارِى» الثانى، إنْ لم يكن الأوّل، حيثُ أقضى معظم وقتى فيها، بين الأساتذة والزملاء الذين يُمثِّلون الأُسرة الكبيرة ليس بالنسبة لى فقط وإنّما لكلِّ أفرادها، على اختلاف انتماءاتهم وتنوُّع مَشَاربهم المهنيّة والمُتخصّصة.
بدأتُ حياتى مع عددٍ كبيرٍ من الزملاء، الذين تحوّلوا بِحُكِم الزَمنِ والعِشْرَةِ إلى إخوة فى أُسْرَةٍ واحدةٍ، ومن ثَمَّ اختلطتْ علاقاتُ العمل بالعلاقات الاجتماعيّة، فأصبحنا «مكوِّن واحد» عمليًّا واجتماعيًّا، واستمرَّت «عقيدتى» تربِطُنا، حتّى بعد خروج بعضنا إلى مرحلة التَحَرُّر الوظيفى- أقصد المَعَاش- لتظلّ معنا مِن البداية إلى أن يشاء الله.
وما بين البداية- وحتى اليوم الموعود- كَبُرَتْ وتكبُرُ أحلامُنا، ونحن نَكْبُرُ معها، فما وصل إليه كلٌّ منَّا، كان عن طريق «عقيدتى» التى اعتبرنا العملَ فيها هو «أَجْرٌ وأُجْرَةٌ»، وفَّقنا الله تعالى فيه لخدمة دينه الحنيف، وسُنَّة نبيّه الكريم- صلى الله عليه وآله وسلم- نسعى بكل جهدنا لحَمْلِه وتبليغه لكلِّ مَنْ استطعنا الوصول إليه، انطلاقا من الأمرِ النبوىّ، فيما رواه سيدنا عبدالله بن عمر- رضى الله عنهما- وأخرجه البخارى: «بلِّغوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرجَ، ومن كَذَبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَهُ من النَّارِ».
نَتَّبِع المنهج الوسطى المُعتدل الذى مَيَّز مصر الأزهر، حتى جعلها «حِصْنَ الإسلام» و»قَلْعَةَ عِلْمِه»، فأصبحت مصدر إشعاع العالم الإسلامى كافّة، فصدَّرت الإسلام للبلد الذى نَزَل فيه الوحىُ. فهذا منهجنا مُنذ العدد الأول، ومازلنا نسير على نفس الخُطَى، ندعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وندعوه سبحانه أن يُعيننا على تبليغ رسالته، كما هى نقيًّة صافيًّة، بعيدةً عن أىّ إفراط أو تفريط، وأن يتقبَّل منَّا ويجعله فى ميزان حسناتنا.
وإن كان هذا هو منهجنا وخطُّنا الذى نسير عليه ونلتزم به، فإن القارئ الكريم هو «نُصْبَ أعيُنِنَا»، فبدونه لم تكن لتصدُر «عقيدتى» أو تستمر، لولا تلك الرابطة القويّة التى توثَّقَت فيما بيننا- جريدة وقارئ- حتّى صارت العلاقة أكثرَ من مجرّد- مُستهلِك وسِلْعَة- ولا أكون مبالِغًا إنْ وصفتُها بـ»العلاقة الأخويّة»، فكثيرٌ من قرّائنا الكرام يتواصلون معنا، ونعرفهم معرفة شخصية، بل إن كثيرا منهم يعترف بالجميل للجريدة التى صنعتْ منه نجمًا فى مجاله، أو شاركته الأفراح والأتراح فى مناسبات مختلفة، ومازالوا يحتفظون بأعدادها التى جمعوها فى مجلَّدات، وبعضهم «بَرْوَزَ» موضوعات بعينها وعَلَّقَها على الحوائط، اعتزازًا بما قدَّمَتُه.
على الجانب الآخر الموازى، احتفظت «عقيدتى» بعلاقات احترام ومصداقية مع كلِّ المسئولين فى المصادر المختلفة، لما التزمت به من موضوعية والتزام بالحيادية والبُعْد عن الإثارة المُفْتَعَلَة.
وتجسيدًا للمعنى والمُسَمَّى «عقيدتى»، كانت هى الناطق باسم كل مصرى بل كل مواطن فى أى مكان، مهما كان انتماؤه العَقَدِى أو الوطنى، فكسَبَت ثِقَةَ الجميع، فخرجت من المحلّيّة إلى العالميّة.
ومع بدء العام الثانى والثلاثين، ندعوا الله بالسداد والتوفيق، ونعاهده سبحانه، استكمال المسيرة.