تحقيق – خلود حسن:
تطورات غريبة طرأت على المجتمع المصرى فى الآونة الأخيرة لم نكن نسمع بها من قبل آخرها قيام بعض الزوجات بالطلاق من أزواجهن رسميا وتحرير عقد زواج عرفي من نفس الزوج وذلك من أجل الحصول على معاش الأب المتوفى أو معاش الزوج المتوفى إن كانت أرملة. قضية فى منتهى الخطورة تنذر بانهيار المجتمع أخلاقيا لذا نحاول دراستها دراسة دقيقة للوقوف على أسبابها والتحذير من تكرارها وفى البداية نستعرض بعض القضايا من سجل محكمة الأسرة
وقف مصطفى أمام محكمة الأسرة بالتجمع الخامس يروى مأساته مع زوجته التي خدعته و قامت بالطلاق منه دون أن تخبره وظلت تعيش معه تحت سقف واحد بحجة الحصول على معاش والدها.
وبسبب غرابة سبب الطلاق انتبه لها عدد كبير من الحضور وسادت حالة من الهدوء عندما بدأ الزوج في سرد قصته والتي بدأت في الشهور الأولى من زواجه عندما اكتشف أن زوجته طماعة عاشقة للمال، كل ما يشغل بالها أن تعيش حياة الترف دون النظر إلى مصدر الأموال، لدرجة أنه بدأ في اختلاس الأموال وقبول الرشوة حتى يتمكن من توفير كل احتياجاتها التي لا تنتهى أبدًا.
ويضيف :كانت تهجرنى وتترك لى البيت عدة أشهر حتى ألبى طلباتها موضحا أنه صبر عليها كثيرًا على أمل أن تتغير وتمكن من الحصول على وظيفة عمل في إحدى القري السياحية بمرتب كبير وانتقل للعيش في هذه القرية لكنها أبت الانتقال معه وطالبته بالسفر والحضور إلى القاهرة في الإجازات.
وفى أثناء ذلك أصيب والدها بأمراض الشيخوخة وتوفى فوردت الى ذهنها فكرة شيطانية ألا وهى الحصول على الطلاق من زوجها ، حتى تتمكن من الحصول على معاش والدها, استغلت الزوجة الطماعة سفر زوجها الدائم وأقامت ضده دعوى خلع، وقدمت مستندات مزورة للمحكمة ومن خلاله حصلت على حكم الخلع.
ويشير الزوج الى أنه اكتشف خديعة زوجته المحتالة له بمحض الصدفة عندما وجد بطاقتها الشخصية وقد سجل ببيانتها أنها مطلقه بالرغم من أنها تعيش معه في بيت واحد، فصعق الزوج ولم يصدق ما قرأ فواجه زوجته بما اكتشف لتخبره بكل هدوء أنها فعلت ذلك للحصول على معاش والدها.
مأساة اخري سببها أيضا المال والطمع وانعدام الأخلاق حيث قررت فاطمة أن تطلق نفسها بشكل صورى من زوجها من أجل 2500 جنيه ” معاش والدها المتوفى ”
فرسمت الخطة ورفعت دعوى طلاق على “هشام” وحددت عنوانه بالخطأ، حتى لا يصل له إخطارً ويكشف أمرها، لتستمر في خداعه والتمثيل عليه دور الزوجة وهى تمضي في إجراءات دعوى الطلاق وبعد صدور الحكم بتطليقها راحت تخبر زوجها بالقرار .
14 عامًا قضاها هشام في زواجه منها؛ لم يقصر يومًا معها، لكنها دمرت حياته وحياة أولادها، سلبت كل شيء، وعلى الرغم من أنها ليست فقيرة تركت زوجها من أجل 2500 جنيه، فمنذ وفاة والدها وعلمها براتبه الشهري كثرت المشاكل، باتت تبحث عن أي وسيلة حتى تتقاضى بها معاش والدها حتى لو بالتزوير، لكنها لم تجد أمامها سوى تطليق نفسها من زوجها , وتخلت عن أمومتها وطردت الأطفال عندما ذهبوا في محاولة منهم لجعلها تسمح لهم بالعيش في معها مما دمر حالتهم النفسية. وغير ذلك من الحالات التى يشيب لها الولدان والتى تضج بها محاكم الأسرة فى كل ربوع مصر.
الحكم الشرعى
وعن وجهة النظر الشرعية فى هذا الموضوع قال الشيخ عبد العزيز النجار من علماء الأزهر الشريف : أن من يقوم بهذه الافعال يتلاعب بهذا العقد الذي سماه الله عز وجل ميثاق غليظ , وهو من أوثق العقود التي أقرتها الشريعة الاسلامية ولا يجوز بأي حال من الاحوال الاستهزاء و الاستهتار بهذا الميثاق الغليظ.
وتعجب من استخدام الطلاق الذي شرعه الله عز وجل إذا ما إستحالت الحياة الزوجية فى الإستمرار بين الزوجين يتم الان استخدامه في التحايل علي مخالفة ولي الامر وتحصيل اموال بغير وجه حق.
وأضاف النجار اذا طلق الزوج زوجته بوثيقة رسمية لا يجوز له مراجعتها الا بتحرير وثيقة أخري وما يحدث من مراجعة شفاهية أو تحرير عقد عرفي لا يصح ويعتبر صاحبه “آثم”, أما من طلاق زوجته شفاهية فيجوز له مراجعتها شفاهية, وبالنسبة للحصول علي معاش احد الوالدين او الزوج الأول ان كانت أرمله بمخالفة صريحة للقانون فهذه الأموال حراما حرام, وعلي كل من وقع في هذا الخطأ الشرعي والقانوني أن يراجع نفسه ويعيد الأمور الي ما كانت عليه قبل المخالفة.
وشدد النجار علي دور المؤسسة الدينية فى التوعية والتصدي لمثل هذه الامور حتي لا يقع أحد في محظور شرعي دون ان يعلم.
وطالب الأزواج والزوجات بالرضا بما قسمه الله لهما والصبر على حياتهما والسعى لجلب الرزق الحلال والبعد عن الأبواب التى يزينها الشيطان لهما ليكونا من السعداء فى الدنيا والأخرة مستندا لقول الله تعالى : {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
وعيد الأخرة
ووافقه الرأي الدكتور أحمد عشماوي أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الازهرقائلا : إن في هذا الزمان نجد بعض النساء تنخلع من زوجها، أو تطلب الطلاق بلا سبب شرعي غير كونه احتيالا منها للحصول على معاش والدها المتوفي إما بالاتفاق مع زوجها بإيقاع طلاق صوري بينهما وإما بقرارها الانفرادي لتنعم بقليل من المال وفي المقابل تخسر حياتها الزوجية فهذه المرأة لا تعلم الوعيد الذي ينتظرها فى الآخرة جراء فعلتها هذه ناهيك عن الشقاء والتعاسة في الدنيا مستشهدا بحديث ثوبان – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة”.
وأضاف د. عشماوي, ما تفعله بعض النساء من الاحتيال لأخذ معاش والدها المتوفي كذب يرفضه وينكره الإسلام وفي حديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور) وهو غش كما قال صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) ولا شك أن هذا الفعل يرفضه الضمير الانسانى وتأباه الفطرة السوية بدليل أنهن يخجلن من الحديث عن هذه الفعلة السيئة وهذا دليل الفطرة السليمة الذي يقام عليهن كحجة دامغة حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا السياق : (الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ), ومن هنا يحرم على كل من كان لها قلب تخشى به حساب الله أن تحتال على الدولة لأخذ ما لا يحق لها بسند شرعي طبيعي لأن الله حرم علينا أكل الأموال بالباطل, حيث يقول الله عزوجل فى كتابه الكريم : (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ), وقال أيضا : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ), وأكد على ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله : (إن دماءكم واموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).
وشدد د. عشماوي على أن من أقدمت على الطلاق الصوري لأخذ مال لا يحق لها فقد أخذت مالا حراما بغير حق هو ملك لجميع الناس وعلى السلطات التشريعية أن تضرب على هذه الاحتيالات بيد من حديد حفاظا على المال العام وحفاظا على بقاء الروابط الأسرية وعلى الأزواج عدم موافقة الزوجات في هذه تنفيذ الحيل الشيطانية فإن من استساغت الفراق الصوري تستسيغ البعد الكامل تحت وطأة المال الذي فضلته على كل القيم السليمة .
الوجهة القانونية
وعن وجهة النظر القانونية أوضح د. عادل عامر أستاذ القانون العام بجامعة المنصورة أن الزواج العرفي أفة كل القضايا الإجتماعية ولابد من سن قوانين لتحجيمه كما يجب تفعيل القوانين القائمة وتغليظ العقوبات على من يقدم على مثل هذه الإجراءات فإن المرأة تحصل على شهادة طلاق حقيقي وتقدمها لجهات المعاش سواء كانت هذه الجهة حكومية أو نقابية أو أي جهة تقوم بصرف المعاش ثم تقوم بعمل عقد زواج عرفي بشاهدين وتعود لحياتها الطبيعية ومن الممكن أن يراجعها زوجها في مدة العدة ولو في حالة الطلاق البائن وفى فترة العدة تقوم بعمل عقد زواج عرفي في هذه الحالة تصرف المرأة معاشها مع استمرار حياتها الزوجية.
وبين د. عادل أن لا يوجد نص في القانون يجرم هذه المسألة, فإذا اخذ الفرد أموالا سواء بالتحايل أو بالمخالفة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 الي 10 سنوات مع ضرورة رد ما تم الاستيلاء عليه ولكن بتقديم ما يثبت وهذا لا يحدث لأنه مجرد عقد غير موثق, وهنا أطالب المشرع في قانون العقوبات بتجريم الزواج العرفي سواء كان رجل أو امرأة فالدولة لا تتحمل أي نفقات من سرقة أو فساد أو استيلاء على الأموال بدون وجه حق وللأسف نعانى أوجه قصور كثيرة يحصل من خلالها الناس على أموال الدولة بالقطاع العام والخاص وهذا نوع من أنواع النصب على الدولة وتعميم هذه المادة يحمى إهدار أموال الدولة