لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي لها العديد من الفوائد مثل التواصل مع الأصدقاء والعائلة، ومعرفة الأخبار والأحداث الجارية، وتبادل الأفكار والرؤى، وتعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي، وتوفير مصادر للتعلم والتعليم والبحث، وتعزيز التعاون والتفاعل بين المجتمعات والحضارات المختلفة، وتوفير فرص للتسويق والترويج للمنتجات والخدمات، وتعزيز الوعي الصحي ونشر المعلومات الطبية والصحية، وتوفير فرص للتوظيف وتطوير المهارات العملية والاجتماعية. ورغم تلك الفوائد إلا إنها تحولت فى كثير من الأحيان إلى مواقع للدمار الاجتماعي، حيث تعتبر هذه المواقع من أكثر الأدوات استخداما في العصر الحالي، وصارت كالخمر والميسر فى الجاهلية الأولى من حيث فيهما صفة الإدمان وفى الوقت نفسه فيهما منافع إلا أن إثمهما أكبر من نفعهما، فكثيرا ما يؤدي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط إلى الإدمان عليها، مما يؤثر على الوقت والانتاجية والصحة النفسية، والشعور بالانعزال، حيث يتم قضاء الوقت في التفاعل مع الأشخاص عبر الإنترنت بدلا من التواصل الحقيقي والمباشر. ويمكن أن يؤدي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاكتئاب والقلق والشعور بالإحباط، نتيجة للمحتوى السلبي والتعليقات السلبية، وتمتلك مواقع التواصل الاجتماعي قدرة كبيرة على نشر المعلومات بسرعة، ولكنها في بعض الأحيان يمكن أن تنشر معلومات خاطئة أو مضللة ويصعب التحقق من صحتها، ويمكن أن يؤثر استخدامها على الإنتاجية والتركيز في العمل والدراسة، حيث يضيع الوقت في التصفح والتفاعل بدلا من إنجاز المهام المطلوبة، كما يؤدي استخدامها إلى انتهاك الخصوصية الشخصية، حيث يتم جمع البيانات والمعلومات عن المستخدمين واستخدامها بشكل خاطئ.
وفي أحدث الدراسات الأمريكية بجامعة نيويورك التي أقيمت على مستخدمي “فيسبوك” على وجه الخصوص فقد أظهر الباحثون أن زيادة معدل استخدام مواقع التواصل يزيد من عدم التوازن بين النظام المعرفي والنظام السلوكي في المخ، وإن الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قد يتسبب في حدوث خلل بوظائف المخ، ويجعل المستخدمين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب عن غيرهم.
وما دفعنى إلى تناول هذه القضية، هو أن بعض غير المتخصصين دأب علي التحدث فى الشأن الاقتصادي بشكل يومى عبر هذه المواقع، وإذا ساقنى حظى العاثر إلى الاستماع إلى أحد هؤلاء أجد أمامى علامة استفهام كبيرة أو عدة اسئلة، أهمها: لماذا يتم السماح لغير المتخصصين بالحديث فى الشأن الاقتصادى، وأقول الاقتصاد تحديدا لكونه عصب الحياة، ولكونه هو قضية القضايا حاليا، وتأثيراته السلبية تتعدى الأفراد إلى الإضرار بالدولة نفسها والدخول بها إلى نفق مظلم.
لعلك عزيزى القارئ تلاحظ معى أن أزمة الدولار وتراجع قيمة الجنيه وعدم الإقبال على شراء الشهادات البنكية، والاتجاه نحو بيع وشراء الدولار فى السوق السوداء، والهرولة نحو شراء الذهب بشكل جنونى فاق كل التوقعات، كل ذلك تم نتيجة حملة ممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعى تحذر من الاحتفاظ بالجنيه المصرى فى البنوك أوفى البيوت، وتحرض على أن تستبدل به الدولار أو اكتنازه فى شكل سبائك ذهبية، وتحت هذا الضغط الرهيب والإلحاح المستمر، والتهديد بالخسارة الكبيرة حال الاحتفاظ بالجنيه، هرول الناس نحو شراء الدولار وصار تجارة رائجة فى السوق السوداء بعيدا عن النظام المصرفى الرسمي، وكذلك الإقبال الكبير على شراء الذهب حتى تخطى سعره فى مصر السعر العالمى بفارق كبير، وكان ذلك أحد أسباب تدهور قيمة الجنيه بشكل كبير، فمن يحاسب هؤلاء، ولمصلحة من يعملون؟!.