قبل ميلاد عيسى- عليه السلام- بَشَّرت الملائكة بمقدمه، أول ما تحدث القرآن الكريم عن عيسى مبشرًا به كان لأمِّه بواسطة الملائكة (إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰۤئِكَةُ یَـٰمَرۡیَمُ إِنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةࣲ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ وَجِیهࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِینَ) [آل عمران ٤٥]
وكانت البشارة بالاسم واللقب والصفات وأولها أنه كلمة من الله فقد خلقه بكلمة (كُنْ)، لا من سبب الأب، فهو بدون أب، كما خلق آدم بدون أب وبدون أم، بكلمة (كُنْ) ولذا قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) آل عمران: ٥٩]
ثم بشَّرتها الملائكة بلقبه فهو المسيح الذي يولد من بطن أمّه ممسوحا بالدهن، ويمسحه جبريل بجناحه صونًا له عن مس الشيطان، كما كانَ مَمْسُوحًا بِدُهْنٍ طاهِرٍ مُبارَكٍ يُمْسَحُ بِهِ الأنْبِياءُ، ولا يُمْسَحُ بِهِ غَيْرُهم. ثُمَّ قالُ بعض العلماء من المفسرين: وهَذا الدُّهْنُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعالى جَعَلَهُ عَلامَةً حَتّى تَعْرِفَ المَلائِكَةُ أنَّ كُلَّ مَن مُسِحَ بِهِ وقْتَ الوِلادَةِ فَإنَّهُ يَكُونُ نَبِيًّا. ثم أن المسيح سمِّي بذلك بشارة بأنه يمسح بيده ذوي العاهات والأمراض فيبرأون.
وبشَّرتها بأن اسمه عيسى ابن مريم تشريفًا له بنسبته إلى أطهر وأشرف النساء المفضّلة على نساء العالمين فحُقّ أن ينسب لأمّه مريم التي تحدث القرآن عنها فقال: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (42) آل عمران.
بشَّرتها الملائكة بأنه يكون وجيها في الدنيا والآخرة أي ذو جاه وشرف وقدر ومنزلة في الدنيا والآخرة ففي الدنيا يُسْتَجابُ دُعاؤُهُ، فيُحْيِي الله المَوْتى، ويُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ بِسَبَبِ دُعائِهِ، وفي الآخرة ألحقه بدرجة الملائكة المقرّبين فقال “ومن المقرَّبين”
وفيها بشارة برفعه إلى السماء فتصاحبه الملائكة.
كما بشَّرتها الملائكة بأنه (وَیُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِی ٱلۡمَهۡدِ وَكَهۡلࣰا وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [آل عمران ٤٦]
فتأتيه المعجزات منذ لحظات ولادته الأولى وهو في حجر أمّه فيكلِّم الناس في المهد مَرَّةً واحِدَةً لِإظْهارِ طَهارَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ عِنْدَ الكُهُولَةِ يَتَكَلَّمُ بِالوَحْيِ والنُّبُوَّةِ.
والكهل هو الذي جاوز الشباب ولم يصل إلى الشيخوخة فهو ما بين الخامسة والثلاثين إلى الخمسين، ومعلوم أن عمر عيسى عندما رُفِعَ كانَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ سَنَةً وسِتَّةَ أشْهُرٍ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: فَهو ما بَلَغَ الكُهُولَةَ.
ولذا فإن المعجزة أن الآية تبشِّر الأمّة بنزول عيسى في آخر الزمان ليتكلّم بكلام النبوة الأولى ويحيى الشريعة الإسلامية ،وهو قَوْلُ الحُسَيْنِ بْنِ الفَضْلِ البَجَلِيِّ: أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: (وكَهْلًا) أنْ يَكُونَ كَهْلًا بَعْدَ أنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّماءِ في آخِرِ الزَّمانِ، ويُكَلِّمَ النّاسَ، ويَقْتُلَ الدَّجّالَ، قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: وفي هَذِهِ الآيَةِ نَصٌّ في أنَّهُ- عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- سَيَنْزِلُ إلى الأرْضِ. كما ورد في تفسير الرازي الكبير مفاتيح الغيب.