احتفل المصريون والعالم أجمع بعيد الميلاد المجيد، ميلاد السيد المسيح عليه السلام الذى وصفه القرآن الكريم بأنه «وجيهاً فى الدنيا والآخرة ومن المقربين» ـ سورة مريم آية «٥٤» وذكر نبى الله عيسى عليه السلام فى ثلاثة عشرة سورة من القرآن وفى ثلاث وثلاثين آية منه.. وأشار القرآن الكريم إلى أن مولده معجزة وأمه عليه السلام وهى مريم بنت عمران من سلالة نبى الله داوود عليه السلام.. وذكر اسم السيدة مريم فى القرآن الكريم تصريحاً دون تلميحاً ٤٣ مرة وأفرد لها القرآن الكريم سورة كاملة تحمل اسمها وهى سورة «مريم» ووصفها الله تعالى بالصديقة فقد نشأت على الطهر والعفاف وتربت على التقوى تؤدى الواجبات وتكثر من النوافل والطاعات وعاشت فى جوار بيت المقدس وبشرتها الملائكة بالاصطفاء على نساء العالمين.
وذكرت المصادر أنه قبل ولادة سيدنا عيسى عليه السلام ـ أصدر هيرودوس ـ ملك اليهود أمراً بقتل الأطفال فى بيت لحم خوفاً من طفل سينشأ ويقضى على مملكته.. وللحفاظ على حياته ـ عليه السلام ـ من فتك الملك قام يوسف بن يعقوب النجار وهو من أقارب السيدة مريم بالسفر إلى مصر ومكثوا بها وتنقلوا فى أرضها شمالاً وجنوباً ـ شرقاً وغرباً.. ووجدت العائلة المقدسة الأمان والحماية إلى أن هلك الملك، فعادوا إلى فلسطين وعمره آنذاك ٧ سنوات أو يزيد. وظهرت عليه علامات العلم والحكمة وأتاه الله تعالى النبوة وأنزل عليه الإنجيل فأظهر الرسالة وبدأ يدعو قومه لعبادة الله مبيناً لهم الصراط المستقيم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وأيده الله بالمعجزات.
لذلك لم يكن مستغرباً أبداً ذلك الاحتفالات الكبيرة التى يقيمها المصريون جميعاً مسلمين ومسيحيين احتفالاً بعيد ميلاد المسيح عليه السلام الذى بشر بنبى الإسلام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد سجل القرآن ذلك إلى يوم القيامة حيث يقول تعالى «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدى من التوراة ومبشراً برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد فلما جاءهم بالبنيان قالوا هذا سحر مبين». وهذا يؤكد عمق العلاقة بين رسل الله جميعاً.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الله تعالى وصف المسيحيين بأنهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا وكشف حقيقة وتأصل عداء اليهود لنا.. وقدم الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نموذجاً عملياً حين تزوج مارية القبطية وأوصى بأهل مصر خيراً فإن لهم ذمة ورحماً.
إن ما نراه اليوم فى كل مناسباتنا الدينية الإسلامية والمسيحية على السواء يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أهم سمات المجتمع المصرى ووحدته الوطنية الراسخة التى تمثل مفرده من مفردات خصوصيته الأبدية والتى لا تنفك أبداً مهما واجهها من أعاصير ورياح.. لكن سرعان ما تتبدد هذه الأعاصير أمام صخرة الوحدة الراسخة.. وما نراه من زيارات متبادلة فى الأعياد والمناسبات الدينية الإسلامية والمسيحية أبلغ رد على المزايدين والمنتفعين الذين يحاولون الاصطياد فى الماء العكر ويروجون لفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لتعكير صفو العلاقة الحميمة بين أبناء الوطن وهى تحريم تهنئة الأقباط بعيدهم.
والحقيقة أن هذه الزيارات المتبادلة للتهنئة بالأعياد بهذه الصورة تترك أثراً طيباً فى نفوس الجماهير العريضة التى تشاهد هذه اللفتات اللطيبة وهى وحدة المشاعر ووحدة الفرحة.
إن تبادل التهانى بصدق ليس قصراً على القيادات الدينية أو السياسية فحسب لكنه أمر يحدث على مستوى الشارع، وفى البيوت وفى المكاتب ودواوين العمل وعبر وسائل التواصل.. وهذا راجع فى المقام الأول إلى خصوصية مصر التى تعتبر نبعاً للسماحة والتسامح ونموذجاً فريداً للتعددية فى إطار الوحدة.
ولذلك لم يكن غريباً علينا تلك الصورة المبهجة التى رأيناها أول أمس فى حضور السيد رئيس الجمهورية وهو يصافح شعب الكنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة وتبادل معهم الكلمات والتهانى والسلام باليد.
هذا المشهد الرائع يجسد الحب والوفاء والألفة والمودة على أرض مصر المحروسة.. وهذا المشهد يؤكد من جديد أن مصر كانت ومازالت وستظل شعباً واحداً ووطناً واحداً مهما حاول الأعداء تصدير صورة مغايرة للواقع الحقيقى الذى نعيشه نحن أبناء الوطن الواحد على أرض مصر الغالية.
وختاماً:
قال تعالى:
«لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ».
صدق الله العظيم
سورة المائدة الآية «٢٨»