بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : فقد عظم الله تعالى الأشهر الحرم في كتابه العزيز فقال ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ” ، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ” ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان ” ، فهي ثلاثة متتابعة لأجل مناسك الحج ،فحرم قبل أشهر الحج شهرا وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال ، وشهر ذي الحجة لأنهم يؤدون فيه مناسك الحج ، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليتمكنوا فيه من العودة إلى بلادهم ، وحرم رجب منفردا لزيارة البيت الحرام والاعتمار .
كما تجتمع في الأشهر الحرم الكثير من أمهات العبادات : كالحج ، والليالي العشر ، وعيد الأضحى ، وأيام التشريق ، ويوم عاشوراء ، والإسراء والمعراج على المشهور عند المؤرخين .
وكان للعرب في الجاهلية منها موقف إيجابي ، وهو أنهم كانوا يحرمون القتال فيها ، حتى قال ابن كثير رحمه الله : ( كان الرجل يلقى قاتل أبيه في الأشهر الحرم فلا يمد إليه يده ) . وكان لهم أيضا موقف سلبى ، فكانوا يقدمون بعضها ويؤخرون بعضها إذا أرادوا القتال والغزو والإغارة على بعضهم ، كما قال ربنا عز وجل : ” إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين ” ، لأنه تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرمه الله عز وجل .
وعلى المسلم أن يحذر فيها :
- الظلم لأنه قهر وهو محرم في كل زمان ومكان ، لكنه يغلظ ويشتد جرمه في الأشهر الحرم ، لقوله تعالى : ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم “، قال قتادة رحمه الله : ( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها . وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء ) .
- ويحذر المسلم أيضا في الأشهر الحرم ارتكاب ما حرم الله ، حتى أن القرطبي رحمه الله فسر قوله تعالى ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم ” بقوله : ( لا تظلموا أنفسكم فيهن بارتكاب الذنوب ، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة ، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح ) .
- ومن ظلم الإنسان لنفسه أيضا أن يحملها ما لا تطيق فيرهق نفسه ، والله تعالى يقول : ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه . قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يطيق ” .
- ويحرم فيها أيضا القتال وإراقة الدماء ، ولهذا سميت ( بالحرم ) جمع الحرام ، قال تعالى : ” يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به ” ، لأنها أشهر سلام وأمان ، والقتال يحولها إلى حرب وخوف وتنتهك الأعراض وتنهب الأموال وتراق الدماء .
- لكن إذا اعتدى على المسلمين وهدمت دورهم وانتهكت مقدساتهم فيشرع القتال فيها ، لقوله تعالى : ” الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ” .
- والحذر أيضا من البدع التي لم يرد فيها نص صحيح ، لقوله تعالى : ” وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ” ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه ، فهو رد ” .
أما ما يستحب للمسلم في الأشهر الحرم :
- فعليه أن يجتهد ويكثر من فعل الطاعات والقربات عملا بقوله تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ” ، وقال تعالى أيضا : ” فاستبقوا الخيرات ” . والأعمال الصالحة أكثر من أن تحصى ومنها : قراءة القرآن الكريم ، وصلاة النافلة ، والاعتمار ، والصدقة ، وصلة الرحم ، وزيارة المريض ، والإحسان إلى اليتامى والفقراء والمساكين ، والذكر والتسبيح ، والإصلاح بين المتخاصمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيرها ، وصدق الله العظيم القائل : ” وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ” .
- والصيام أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة : ” … صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك … ” ، وثواب الصيام كبير وعظيم ، قال صلى الله عليه وسلم : ” من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريف ” .
- والدعاء لكل خير ديني ودنيوي ، والله عز وجل يدعونا أن نلجأ إليه ونطلب منه سبحانه ، ووعدنا الإجابة فقال : ” وقال ربكم ادعوني استجب لكم ” .