جاء في أحاديث رحلة الإسراء والمعراج أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التقى الأنبياء وصلّى بهم عند بيت المقدس، كما التقى بهم في السماوات العلى، إلا أن هناك بعض الأحاديث التي وصفت نبيَّا الله موسى ويونس في طريقهما للحج ،وذلك في حديث ورد في صحيح مسلم رواه عبدالله بن عباس أَنَّ رَسولَ اللهِ مَرَّ بوادِي الأزْرَقِ، فقالَ: أيُّ وادٍ هذا؟ فقالوا: هذا وادِي الأزْرَقِ، قالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى مُوسَى عليه السَّلامُ هابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وله جُؤارٌ إلى اللهِ بالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ أتَى علَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فقالَ: أيُّ ثَنِيَّةٍ هذِه؟ قالوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قالَ: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى يُونُسَ بنِ مَتَّى عليه السَّلامُ علَى ناقَةٍ حَمْراءَ جَعْدَةٍ عليه جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، خِطامُ ناقَتِهِ خُلْبَةٌ وهو يُلَبِّي قالَ ابنُ حَنْبَلٍ في حَديثِهِ: قالَ هُشيمٌ: يَعْنِي لِيفًا.
فالنبي وصف نبي الله موسى عليه السلام وهو يرفع صوته بالتلبية، عند مكان يسمى وادي الأزرق
وكذلك يصف نبي الله يونس وهو يلبّي أثناء ركوبه ناقة حمراء، وقد ظن البعض أن معنى ذلك أن الأنبياء يحجّون بعد الموت وذلك غير صحيح، فقد أُرِيَّ رسول الله حج الأنبياء من قبله تلبية لنداء سيدنا إبراهيم عليه السلام وهذا الإخبارَ مِنَ النَّبيِّ ما هو إلَّا إخبارٌ عن أفعالِ الأنبياءِ في حَياتِهم وسابِقِ أيَّامِهم، وحَكَاه النَّبيُّ بما أعلَمَه اللهُ من أخبارِهم.
وهذا الحديثُ إشعارٌ بأنَّ الحَجَّ من شَعائرِ اللهِ، ومِن شَعائرِ أنبيائه، فقد جاء ذلك تلبية لأمر الله إبراهيم في قوله تعالى: “وَأَذِّن فِی ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ یَأۡتُوكَ رِجَالࣰا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرࣲ یَأۡتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیقࣲ” [الحج ٢٧] وعندها صعد إبراهيم الصفا ولبَّى ثم قالَ: “يا أيُّها النّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكم حَجَّ البَيْتِ العَتِيقِ فَسَمِعَهُ ما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فَما بَقِيَ شَيْءٌ سَمِعَ صَوْتَهُ إلّا أقْبَلَ يُلَبِّي يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. وفي رِوايَةٍ أنه قال: إنَّ اللَّهَ يَدْعُوكم إلى حَجِّ البَيْتِ الحَرامِ لِيُثِيبَكم بِهِ الجَنَّةَ ويُخْرِجَكم مِنَ النّارِ، فَأجابَهُ يَوْمَئِذٍ مَن كانَ في أصْلابِ الرِّجالِ وأرْحامِ النِّساءِ، وأولى الناس بالحج هم الأنبياء ولذلك لبوا النداء وحجّوا إلى البيت الحرام ورآهم رسولنا في ليلة أسري به وأخبر أصحابه عند مروره في الأودية والأماكن التي ساروا بها، فليس هناك حج للأنبياء بعد الموت ولا لغيرهم.