د. سيف قزامل: المحن تتبعها المنح.. والنصر مع الصبر
د. محمد الشافعي: سير الأنبياء كلها تذكير بأهمية الثقة بالله
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتي
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون فى ندوة “من دروس الإسراء والمعراج.. الفرج بعد الشدة” التي نظمتها عقيدتي بالتعاون مع وزارة الأوقاف، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، بمسجد سيدي علي البيومي بمنطقة الحسينية، بالقاهرة، أن الإسراء والمعراج هبة إلهية تؤكد أن مع العسر يسرا، وأن المحن تتبعها المنح، وأن النصر مع الصبر، ومن سنة الله في خلقه أن العاقبة دائمًا وأبدًا للمتقين.
أشاروا إلى أن الإسراء والمعراج تذكرنا بواجبنا تجاه الأقصى مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلينا دعم إخواننا المستضعفين في مكان وفي المقدمة منهم أشقائنا في فلسطين وخاصة غزة.
أوضحوا أن مشاهد الرحلة المباركة تدعو إلى القيم النبيلة، والأخلاق السامية، وتدفع إلى العمل، وتغرس الأمل في النفوس، وتحذر من اليأس والاستسلام، خضر الندوة الشيخ محمد الشرقاوي، إمام وخطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحرير عقيدتي، أن الشدة والفرج من سنن الله الكونية في خلقه، ورحلة الإسراء والمعراج لا يجوز إعمال العقل المادي فيها، ولهذا فإن الأسلم فيها الالتزام بقول ربنا سبحانه وتعالى: “سمعنا وأطعنا” ومن يتأمل الرحلة يجدها جاءت جبرا إلهيا لخاطر النبي الذي تعرض مع صحابته لإيذاء المشركين، وكذلك وفاة عمه أبو طالب وزوجته خديجة حتى أنه سماه “عام الحزن”، كما أن مسرى النبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يذكرنا بمأساة إخواننا في فلسطين وخاصة غزة وما يتعرضون له من حرب إبادة وسط تخاذل وصمت دولي يجعل من الواجب على العرب والمسلمين أن يهبوا بكل الوسائل لنجدة أشقائهم بالمساعدات والدعاء لأن الله سيسألهم عنها لأن المؤمنين أخوة.
رحلة عظيمة
أكد د. سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر، أنه خلال رحلة دروس الإسراء والمعراج أكرم الله تعالى نبيه بآيات عظيمة، ومعجزات باهرة، تؤكد على صدقه ومكانته عند الله الذي فرض عليه الصلاة وجعله يصلي إماما بالرسل والأنبياء ببيت المقدس، ويصحبه جبريل خلال الرحلة، ثم الصعود إلى السماء ورؤية مشاهد كثيرة لكل منها عبرة وعظة للأمة الإسلامية لما لها من أثر في إصلاح النفوس، فهي آيات تدعو إلى القيم النبيلة، والأخلاق السامية، وتدفع إلى العمل، وتغرس الأمل في النفوس، وتحذر من اليأس والاستسلام، وترشد إلى الحق والنورخلال هذه الرحلة المباركة التي تعد تكريما إلهيا، وعطاء ربانيا لرسول الله.
أوضح د. قزامل أن هذه المعجزة المباركة وقعت في العام الحادي عشر من البعثة لتؤكد أن المحن تتبعها المنح، وأن النصر مع الصبر، والعاقبة دائمًا وأبدًا للمتقين، فكل محنة وشدة وراءها منحة وعطاء وتكريم من الله، لتثبيت قلب رسول الله ليزداد إيمانًا ويقينًا وثقةً في أن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين، ليكرمه على صبره وجهاده وتحمله المحن، وليخاطبه دون واسطة ومن غير حجاب، وليطلعه على عوالم الغيب، وهذا درس عظيم لكل مسلم يتعرض لشدة أو تصيبه منحة أو كرب، فإذا صبر وتحمل الشدائد فلاشك أن الله سيكرمه بالعطاءات الإلهية والمنح الربانية، ولنتق الله إذا تعرضنا لمحنة أو شدة في حياتنا، فالمحن يخرج من أرحامها المنح، قال تعالى:” فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا, إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”. مما يؤكد أن ديننا الإسلامي يدعو أتباعه إلى التحلي بالأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله، ويحذر من اليأس والتيئيس والإحباط، حتى إن أهل العلم قد عدّوا ذلك كله من الكبائر، فقال تعالى: “لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”، وكان قوله صلى الله عليه وسلم:”…وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ، الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ”، وكان يقول:” بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا”.
ومن يتدبر القرآن يجده مليئًا بالآيات التي تدعو إلى الأمل والتفاؤل مهما كانت الابتلاءات والمصائب، فهذا نبي الله نوح عليه السلام يتحلى بالأمل مع علو الهمة في دعوته لقومه طمعًا في إيمانهم، وظل فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا داعيا لا يكلّ ولا يملّ، ولا يقنط ولا ييأس، وكذلك قصة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذي صبر على إيذاء قومه وتأخره في الانجاب حتى تحقق له الرجاء وهو شيخ كبير قد بلغ من الكبر عتيًّا، وزوجه العجوز التي تخطت سن الإنجاب، فهذه القصص من الصبر والأمل ذكرها القرآن للعظة.
وأنهى د. قزامل كلامه مؤكدا أن المسلم الحق على ثقة بأن الفرج بعد الشدة سنة الله في خلقه، مما يؤكد أن الأمل والإيمان قرينان متلازمان لا ينفكان، فالمؤمنون هم أوسع الناس أملًا في الله، وأكثرهم تفاؤلًا واستبشارًا وأبعدهم عن اليأس والتشاؤم، يثقون في الله، ويحسنون الظن به، فهو سبحانه القائل في الحديث القدسي: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي”.
اليسر بعد العسر
وأكد د. محمد محمود الشافعي، مدير الإرشاد الديني بديوان عام الأوقاف- أن النبي عاش فترة عصيبة جعلت الله ينعم عليه ويكرمه برحلة الإسراء والمعراج التي انتقل خلاله بين ملكوت ربه في الأرض والسماء في رحلة ربانية ما سبقه أحد من الرسل والأنبياء لمثلها، ونستخلص منها أن المؤمن يرجو فرج الله، والكافر يقنط في الشدة رحمة الله، وقد سأل رجلًا النبي: يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال: (الشِّرْكُ بِاللَّه، وَالإِياسُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)، هكذا قرن النبي بين الشرك وبين اليأس والتيئيس من رحمة الله مبالغة في التحذير والتنفير منه، لأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بلا أمل، فحياة بلا أمل حياة جافة عابسة، بل أنه لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة.
واستشهد د. الشافعي بنماذج لفتح باب الأمل بعد الضيق والكرب، فهذا نبي الله يونس عليه السلام سجينٌ في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ومع ذلك يتمسك بالأمل ويأوي إلى الله تعالى:” وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ”، ولقد بث القرآن روح الأمل في قلوبنا، وفتح لنا باب الرجاء بأن جعلها قاعدة عامة وليست خاصة بنبي الله يونس حيث قال سبحانه: “وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ”، فالمؤمنون إذا مرضوا لم ينقطع أملهم في الشفاء، وإذا وقعوا في خطأ لم ييأسوا من رحمة الله وعفوه، وإذا كانوا في ضيق وهم وغم وثقوا أن مع العسر يسرًا، وإذا أصابتهم مصيبة صبروا أملًا في الأجر والثواب وثقة في وعد الله لهم بالخلف بالخير وأن الشدةَ لا تدوم أنه سبحانه القائل :” سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا”.
أشار إلى أن كثيرا من الآيات القرآنية رصدت بعض تفاصيل الرحلة الأرضية فقال سبحانه:” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” وسجل الرحلة السماوية فقال تعالى:” وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى…” وسجلها رسول الله بقوله:” أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ، أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بها الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ, فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء،…” ووعدنا أن الفرج يأتي بعدَ الشدة، قال الله تعالى:” فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”.
أوضح د. الشافعي أن الابتلاء سنة الله في خلقه لأن الدنيا دار ابتلاء فقال تعالي:” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ”، وعندما سئل الإمام أحمد: متى يجدُ العبدُ طعمَ الراحةِ؟ قال: مع أولِّ قدمٍ يضعُهَا في الجنةِ، ولسان حال المسلم يقول دائما:”لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا”.
وأنهى د. الشافعي كلامه مؤكدا أن ذكرى الاسراء والمعراح تذكر المسملين بأهمية التوحد والقوة لتحرير المسجد الأقصى الأسير، ونحن على ثقة بنصر الله بشرط أن نعد العدة لذلك تنفيذا لأمر ربنا سبحانه وتعالى:” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”، وهذا الاستعداد لا يتنافى مع أننا قوم ندعو إلى السلام لمن يريد معنا السلام الحقيقي العادل فقال تعالى عقب الآية السابقة:” وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.