يقول الله جل وعلا: (سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ).
والمتأمل في معجزة الإسراء والمعراج يجد أنها جاءت تتويجا للمصطفى- صلى الله عليه وسلم-وترويحا لقلبه وجميع جوارحه بعد أن اشتدت حلقات التعذيب له ولكل من آمن بدعوته، فقد وقع بالحبيب المصطفى محن وشدائد متتالية منها الإيذاء والتطاول على شخصه الكريم بالسب والشتم، ووفاة زوجه الحانية وعمّه الغالي، وآخرها صد أهل الطائف واعتداؤهم عليه!!
فأكرمه رب العالمين برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب، بدأت بأقدس بقاع الأرض وانتهت بأعلى طبقات السماء، وكأن الله تعالى أراد أن يقول لحبيبه: يا محمد؛ إذا كان أهل مكة
آذوك وطردوك فإن رب البرية لزيارته يدعوك.
فكانت رحلة الإسراء والمعراج، وبعد المحن تأتي المنح، وبعد الشدة الفرج، وبعد العسر يسرا، يا محمد: لا تظن بأن جفاء أهل الأرض يعني جفاء أهل السماء، يا محمد: إن الله يدعوك اليوم ليعوضك بجفاء أهل الأرض حفاوة أهل السماء، حيث تبدأ تلك الرحلة الأرضية السماوية. ثم رحلة سماوية إلى ما بعد سدرة المنتهى.
هذا هو الفرج العظيم الذي أزال الله به عن حبيبه ومصطفاه كل هم وغم مر به، وأزاح عنه كل أذى أصابه.
فأي خير وفضل وشرف وتكريم من أن يكون الحبيب ضيفا على الكريم؟ تنكر له الخلق فاستقبله الخالق، أدمته الحجارة الباغية فاستقبلته القبلات الحانية، لم يسمعه الناس بالطائف فجمع الله له الأنبياء والمرسلين في بيت المقدس، فكان لهم قائدا وإماما، فمن رحم البلاء يولد العز، ومن هنا كانت رحلة الإسراء والمعراج منحة واصطفاء، ورحمة واجتباء.