أحيانا يصبح من الكياسة أن يتصالح الإنسان مع فكرة الأحلام المؤجّلة، فقد تتغير الظروف أو تشتد الضغوط ويصبح واجب الوقت ان ننشغل فقط بتحديات اللحظة الحالية ،نجمع كل الطاقة وكل الخبرة لندرك المطلوب منا هل هو الثبات أم الحركة؟ هل هو التغلب ام التاقلم؟ فكلاهما يحتاج إلى قوة. وتحضرني قصة تُقرِّب ذلك المعنى، قصة الأمير عبدالرحمن بن معاوية أحد أمراء الدولة الأموية وحفيد الخليفة هشام بن عبدالملك والذي أُضطر بعد اعتياده الاستقرار والمكانه والسلطة إلى رحلة فرار طويلة من بطش العباسيين وقتها وصحبه في رحلته تلك خادمه الأمين وبينما هما مختفيين في أحد الأماكن فرارًا من موت محقق اذا بعبدالرحمن يفاجئ رفيقه بقوله: سأطلعك على الهدف -وهل في هذا الوضع هدف إلا النجاة!-وأخبره أن له أخوال بالمغرب وأنه يطمح إلى إقامة مُلكه في المغرب بعد أن اندثر من المشرق، فمع ضخامة الحلم كان السؤال المنطقي: ما الخطة يا مولاي؟ فأجابه: “الخطة أن نبقى أحياء” فرغم عظم الحلم إلا أنهم لن يخطوا خطوة في سبيله الآن بل هو الانشغال بواجب الوقت وضرورات اللحظة .لم يبكِ الأمير عبدالرحمن على اللبن المسكوب ولم ينشغل بحلمه بل أدّخر كل قوّته للخروج من المأزق أولاً ثم جاهد في الوقت المناسب ليحقّق حلمه وبالفعل تحقق الحلم واعتلى العرش لسنوات طويلة. قصة بها عبرة عظيمة، قد يكون الإنسان بحاجة أحيانًا إلى التركيز في يومه والمحافظة على ما لديه الآن حتى لا تزيد خسائره ولكنه أبداً لا يذهد حلمه ولا ينساه بل فقط يؤجله إلى اللحظة المناسبة. قال تعالى: (هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).