د. الضوينى: المتعلّقون بالمنجّمين عليهم مراجعة عقيدتهم وفكرهم وثقافتهم
د. سلامة داوود: علماؤنا لم يفرّقوا بين علوم الفلك والتفسير والحديث والفقه
د. غادة فاروق: التحدّي فى استقدام نُظُم المُحاكاة والواقع الافتراضي للبحث العلمي
د. حسام طنطاوى: العلوم البينية.. “كلمة السِّر” لرؤية مصر ٢٠٣٠
د. نظير عياد: علوم الآثار تساعد في تعزيز الحوار بين الأديان
مصطفى ياسين
أجمع علماء الدين وخبراء الآثار والفلك على رفض الربط بين علوم الفلك وادعاء المنجمين لمعرفة الغيب والطالع، مؤكدين فى ذات الوقت تطابق العلوم الدينية والفلكية وعدم تعارضهما، بل تعاونهما لما فيه صالح الناس ومعرفة آلاء الله فى خلقه وأحكامه من الشرائع والعبادات.
جاء ذلك في المؤتمر الدولي الحادي عشر الذي عقده مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء، بمجمع البحوث الإسلامية، ومركز الدراسات البردية والنقـوش، بكلية الآثار جامعة عين شمس، بعنوان: «علوم الفلك والآثار في الحضارات الإنسانية» برعاية فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، د. محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، واستمر يومين ناقش خلال محاوره الثلاثة، فى 7 جلسات بخلاف الافتتاحية، 42 بحثاً من تخصصات متباينة منها التاريخ والعمارة والفنون والفلك والحضارة والمخطوطات والفقه، بحضور قيادات الأزهر وآثار عين شمس.
فأكد فضيلة د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، أن علوم الآثار والفلك ليست غريبة عن الأزهر، وأن هناك فرقا كبيرا بين الفلك والتنجيم، ولا يعني ظهور بعض أفراد على القنوات أو صفحات التواصل أو على صفحات الجرائد والمجلات يتكلمون في التنجيم، ويدعون معرفة أحداث المستقبل أن ذلك من صميم علم الفلك، فهذا ليس من علم الفلك الذي يعرفه المتخصصون، والذي تقوم على صيانته أقسام علمية راسخة. وشدد على أن المتعلقين بالمنجمين الذين يدعون زورا أنهم علماء، عليهم أن يراجعوا عقيدتهم وفكرهم وثقافتهم، فقانون الإيمان يقتضي منا أن نسلم لقدر الله، مع إيجابية كاملة وسعي بالأسباب وكأننا نملك كل شيء، وتوكل تام وتفويض كامل وكأننا لا نملك أي شيء، وعلم الفلك من العلوم المستقرة القواعد، والتي تفتح آفاق الكون، وتقود قاطرة تقدم البشرية، وليس أوهاما تستغل بها النفوس القلقة أو الحائرة، وتلك مشكلة عقدية فكرية ليس هذا مجالها، لكنها المعاني يدعو بعضها بعضا.
إبداع وابتكار
أوضح د. الضويني أن علوم الآثار والفلك لها تعلق ليس بالحضارات الإنسانية فحسب، بل بالإنسان حتى قبل أن تكون حضارة بالمعنى الاصطلاحي المعروف؛ وبغض النظر عن شيوع التفكير الخرافي لدى إنسان ما قبل الحضارة إلا أن هذا الإنسان في فجر التاريخ كان له تعامل معها، بل ربما توقفت حركة حياته على غروب شمس، أو هطول مطر، أو صوت رعد!. وأن المتأمل للحضارات الإنسانية يجد بينها وبين علوم الآثار والفلك علاقة وثيقة، وإن كانت بعض الحضارات تخلط بين الفلك والتنجيم، لكن يكفي أن التاريخ أشار إلى مراعاة الناس حركة الأفلاك والنجوم والأجرام في أحداث الحياة المهمة: في الزواج، وفي السفر، وفي الحرب، وفي الموت، وفي كثير من مجالات الحياة.
أضاف: والمتأمل لحضارتنا الإسلامية يكفي أن القرآن الكريم قد أورد بعض الإشارات الفلكية التي حركت أذهان العلماء إلى البحث والنظر والدراسة، ومن هذه الإشارات قول الله تعالى: «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون»، وقوله: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»، كما أن الله أمر المسلمين أن يتجهوا إلى القبلة في صلواتهم، فقال: «فول وجهك شطر المسجد الحرام»، وتحديد اتجاه القبلة يتوقف على الفلك، خاصة في الأماكن غير المأهولة، أضف إلى هذا تحديد بدايات الشهور التي يتعلق بها الصيام والحج.
وبين وكيل الأزهر أن علم الفلك في ظل الحضارة الإسلامية اتخذ عدة أسماء، فتارة هو «علم الهيئة»، وتارة هو «علم الأنواء»، وتارة هو «علم التنجيم»؛ نظرا إلى ارتباطه بدراسة الأفلاك والنجوم، ولقد استطاعت الحضارة الإسلامية أن تستوعب ما سبقت إليه حضارات اليونان وفارس والهند، وترجموا كتبهم، وانطلقوا منها مؤلفين، ومضيفين ومبدعين، حتى بلغوا مرحلة الابتكار التي بلغت أوجها ابتداء من القرن الثالث الهجري وحتى منتصف القرن التاسع.
وأوضح، أننا لم نعقد هذا المؤتمر لبحث مواقيت الصلاة، وإن كان هذا مهما في ذاته؛ لتعلقه بمراد الحق من الخلق، ولكننا نستهدف بما يناقش فيه من أبحاث رصينة أن نخرج بقاعدة بيانات أولية توثق إسهامات العلماء في هذا المجال، وهو جانب يحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء؛ حتى يتعرف أبناؤنا على تاريخهم المشرق الذي تحاول أجندات مشبوهة أن تصوره لهم على أنه تاريخ مظلم. ونرجوا أن يفتح المؤتمر بابا للتأمل والتفكر يصل بنا إلى إعادة قراءة بلادنا التي تكاد تنطق أركانها بتاريخ الحياة وعلومها، قراءة حضارية تأخذ من الماضي ما يضيف للحاضر ويعين على المستقبل، بابا جديدا لاقتصاد أثري فلكي مستدام، يتناول مجالات الحياة المهمة: زراعة وصناعة وتجارة، ويرجع على بلادنا بالخير والرخاء.
التحدي الحالي
وقالت د. غادة فاروق، نائب رئيس جامعة عين شمس، إن المؤتمر يأتي في وقت مهم؛ حيث يعكس أهمية الشراكة بين الجامعة والأزهر، مشيرة إلى أن التحدي الحالي شديد جدا خاص باستقدام نظم المحاكاة والواقع الافتراضي في البحث العلمي.
أشار د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إلى عناية علماء المسلمين بعلم الفلك وأنها بدأت مبكرا مع العناية بعلوم التفسير والحديث والفقه، فيما أشار إلى مجلة الأزهر وما حوته بعض أعدادها من توثيق لهذا التراث في علم الفلك من خلال عرضها لبعض نوادر المخطوطات.
رؤية مصر
أشار د. حسام طنطاوى، عميد كلية آثار، رئيس المؤتمر، إلى أن المؤتمر يُعقد في ظل ظروف خاصة تتوافق من ناحية مع انطلاق جامعة عين شمس بقوة نحو جامعات الجيل الرابع، وما يتطلبه ذلك من توسع في الابتكار وريادة الأعمال وبناء الشراكات الدولية والمحلية، وهو ما يعكسه التعاون مع الأزهر وجامعته ومجمع البحوث الإسلامية ووكالة الفضاء المصرية ومركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء والمعهد القومي للبحوث الفلكية كشركاء فاعلين. كما يتوافق من ناحية أخرى مع رسالة وأهداف مجمع البحوث الإسلامية في العمل على تجديد الثقافة الإسلامية، وإظهارها في جوهرها الأصيل الخالص، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة في إطار الرسالة الشاملة للأزهر الشريف من خلال مجلسه ولجانه وإداراته المتعددة. كما تتوافق هذه الظروف مع توجه الدولة للاهتمام بالعلوم البينية، باعتبارها كلمة السر نحو تلبية احتياجات سوق العمل و تحقيق معادلة التنمية الناجحة ضمن رؤية مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
أضاف: مما لا شك فيه، إن اختيار العنوان– وهو الأول من نوعه على حد علمي- كان الدافع إليه الإدراك التام بمنهجية الدراسات البينية في تبادل الخبرات البحثية، والاستفادة من الخلفيات الفكرية والمناهج البحثية المختلفة وإدماجها في إطار مفاهيمى ومنهجي شامل، يساعد على توسيع إطار دراسة الظواهر والمشكلات، وتقديم فهم أفضل لها، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الخروج بنتائج دقيقة وتقديم حلول نافعة قابلة للتطبيق. وألمح إلى تجديد الثقافة الإسلامية واهتمام الدولة بالعلوم البينية والاستفادة من الخلفيات البينية المختلفة للخروج بنتائج دقيقة تسهم بشكل فعال في علم الفلك والآثار، وخدمة الوطن.
تعاون مثمر
وبين د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الحضارة الإسلامية كانت سباقة في تأسيس المراصد الفلكية في شتى بلدان العالم الإسلامي، مثل: مرصد جبل قاسيون، في دمشق، ومراصد بغداد: والتي تضم مرصد سامراء، والمرصد المأموني، ومرصد بني الأعلم، والمرصد الشرقي، ومرصد (ملك شاه)، وكذلك مرصد مراغة، ومرصد سمرقند والمرصد الحاكمي، وكذلك نبوغ الكثير من علماء الحضارة الإسلامية في دراسة الفلك والهيئة مثل الخوارزمي، وثابت بن قرة، وأبي عبدالله البتاني، والبيروني، وابن الهيثم، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم، وظهور الإنجازات والاكتشافات البديعة مثل (الأسطرلاب) و (الربع المجيب) و(الجداول الفلكية)، وتطورت علوم حساب المثلثات والبصريات، فكان لها الدور الأكبر في نجاح علماء المسلمين في حساب محيط الأرض، ورصد مسارات الشمس والقمر والكواكب، والتنبؤ بظواهر الكسوف والخسوف، وغير ذلك من الاكتشافات التي ما كان لعلم الفلك الحديث أن يكون له شأن بدونها، مشيرًا إلى أهمية وضرورة علوم الآثار، لطلاب العلم الباحثين في الشرائع والأديان، حيث: يمكن أن تساعد علوم الآثار أيضا على فهم السياق التاريخي للنصوص الدينية، من خلال دراسة الثقافات والحضارات التي نشأت فيها هذه النصوص، ويمكن أن تكشف لنا علوم الآثار عن الممارسات الدينية القديمة، من خلال دراسة المواقع الأثرية والمعابد والأدوات الدينية، ويمكن أن تساعد علوم الآثار في التأكد من صحة بعض الروايات، من خلال دراسة الأدلة المادية التي تشير إلى الأحداث المذكورة فيها، كما تساعد علوم الآثار في تعزيز الحوار بين الأديان، وتوسيع آفاق طلاب الكليات الدينية، من خلال تعريفهم على ثقافات وحضارات أخرى.
براعة المصريين
ولفت د. جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية، إلى أن المصريين برعوا في علوم الفلك والآثار سواء قديما عندما قام بها المصريون القدماء، أو حديثا بداية من عصر النهضة الحديثة وحتى وقتنا هذا.
تدبر القرآن
وقال د. محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، إن الله تبارك وتعالى ذكر علوم الفلك والفضاء والأرض والكون في قرآنه الكريم من خلال العديد من الآيات القرآنية، داعيا الإنسان إلى النظر في الكون وأن يتدبر فيه، كما أن علماء الإسلام قاموا بالعديد من الجهود الفعالة في مجال الفلك والفضاء وعلوم الآثار.
الإسلام والآثار
وأكد د. محمد إبراهيم علي د. محمد إبراهيم علي، أستاذ ورئيس قسم المتاحف وإدارة المواقع الأثرية بكلية الآثار وزير الآثار الأسبق، أن هذا المؤتمر خير دليل على أن دراسة الآثار والحفاظ عليها أمر لا يحرمه الإسلام بل يطالب بالحفاظ عليها والاستفادة من كنوزها، مشيراً إلى أن المصريين القدماء عاشوا ،قبل وقت طويل من اختراع الكتابة، في اتصال وثيق بالطبيعة ولاحظوا أطوار القمر، والحركة النهارية للشمس، والعناصر المضيئة للقبة السماوية الليلية. وأصبح لعلم الفلك أهمية كبيرة في الحضارة المصرية، سواء من الناحية الدينية أو في تنظيم الحياة اليومية، وخاصة في قياس الوقت وتحديد مواعيد الزراعة واحتفالاتهم الدينية وكذلك الاتجاهات، حتى باتت ثقافة مصر القديمة بأكملها مشبعة به. وبالفعل، فقد رأى المصريون في السماء تعبيراً عن نظام أعلى، حاولوا عبر تاريخهم الطويل التعبير عنه في حياتهم اليومية (مثل: اختراع السنة الشمسية، وتوجيه معابدهم ومقابرهم في اتجاه هذا النجم أو ذاك).
المكانة المتميزة
وأكد د. باسم محمد سيد، وكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أن المؤتمر يعكس بشكل واضح، الأهمية الكبرى للتعاون العلمي بين المؤسسات العلمية العريقة في مصر ودور تلك المؤسسات في تطوير منظومة البحث العلمي في بلدنا الحبيب وتحقيق المردود العلمي الذي يليق باسم مصر وصروحها العلمية العريقة وعلمائها ذوي المكانة المتميزة التي لا ينكرها إلا جاحد.
الوكالة المصرية للفضاء
فيما استعرض د. مجدي طنطاوي، مستشار الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية للنظم الفضائية، دور الوكالة في العصر الحالي عصر الفضاء، حيث تقوم بدور بارز في مجالات الاتصالات والاستشعار عن بعد وغير ذلك من الأدوار المهمة لخدمة الوطن.
الطبع المتدين
وأكدت د. إيمان نصير، مدير مركز الدراسات البردية والنقوش، أن المصرى القديم متدين بطبعه من قبل التاريخ، وإن الفن كان من أجل الدين وليس من أجل الفن فقط، متسائلة: لماذا كان المصرى القديم يبنى المقابر على خطوط النجوم السماوية؟ مجيبة: لأخذ القوة. فكل أسرة ملكية كانت تحدد انتمناءها لأى مجموعة نجمية. بما يحقق لها مفهوم الأبدية والخلود، مثل الأسرة ال١٩ التى لم تغب عنها القوة والاتحاد قولاً وفعلاً، وهذا ما يشير إلى الإله ست.
المدرسة الأزهرية
واستعرض د. أحمد عبدالبر، جامعة الأزهر، دور الأزهر كـ”كعبة العلم” في العالم الإسلامي، واسهامات علمائه الفلكية فى الحضارة الإسلامية. والحديث عن المزولة الفلكية، والمدرسة الأزهرية للعلوم الفلكية، مؤكداً أن العلوم التجريبية والثورة العلمية بدأت منذ زمن وازدادت فى عهد الإمام الأكبر الدمنهوري شيخ الأزهر الأسبق، وليس منذ الحملة الفرنسية كما يدعون.