كل عام وأنتم بخير، بمناسبة شهر شعبان هذا الشهر الفضيل الذي يمثل لنا أهمية بالغة من كونه يمثّل المدخل التمهيدي لشهر رمضان، شهر القرآن والعبادة الخاصّة ذات الأجر غير المحدّد، حيث أن ثواب سائر العبادات معروف: الحسنة بعشر أمثالها، أما الصيام: فثوابه مفتوح وغير معلوم، لأنه سرّ بين العبد وربه، وليست فيه أعمال ظاهرة يمكن أن يدخل منها الرياء الذي ينقص ثواب الأعمال الصالحة، وهذا ما جاء في الحديث القدسي عن الله عز وجل أنه قال: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أَجزي به”.
ومن فضائل شهر شعبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شهر شعبان استعدادا وتمهيدا لصيام شهر رمضان، كما أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وبالتالي فإن رفعها من نفس مؤمنة متصلة بالله تعالى، ملتزمة بشرعه القويم تجعل لها ميزة خاصة.
وفي الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، لم أرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.
ومن فضائل هذا الشهر الكريم أيضاً ليلة النصف من شعبان التي شهدت حدثاً في غاية الأهمية، وهو تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في المسجد الحرام، فالقبلة بالنسبة للصلاة تعتبر المفتاح الذي لا يستطيع المسلم الدخول إليها إلا به، وهي رمز لوحدة المسلمين وتوحيد صفوفهم نحو هدف واحد، حيث قال الله تعالى موجهاً خطابه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).
فيجب علينا أن نتقرّب إلى الله تعالى في شهر شعبان بما نستطيع من الأعمال الصالحة، والعبادات والطاعات، وأن نؤهل أنفسنا وذوينا ونستعد لشهر رمضان المبارك شهر القرآن.
وندعو الله تعالى أن يبلغنا رمضان وقد خلصنا الله تعالى من هذا الوباء الذي استشرى في جسد الأمة العربية والإسلامية في العالم أجمع، وهو الكيان الصهيوني الذي مازال يمارس كل جرائم الإبادة الجماعية والإنسانية في حق الشعب الفلسطيني في غزة، ويهدد أيضاً باستمرار عدوانه وظلمه ضد الشعب الأعزل في رفح الفلسطينية والذي يقطن بها أكثر من مليون إنسان معظمهم من النساء والأطفال.
وعلى كل مسلم أن يتقرّب إلى الله تعالى بالدعاء بأن يوفق المسلمين إلى ما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، وأن يحقن دماءهم ويحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فهو سبحانه جَوَاد كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفراً خائبتين، وأن ينصر إخواننا من الشعب الفلسطيني على العدو الظالم، إنه سميع مجيب الدعاء.