مع التطور الهائل فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وانتشارها فى أرجاء الكرة الأرضية دون حدود أو موانع، فما على الإنسان إلا أن يحرك الجهاز عن طريق الريموت كنترول وهو فى مكانه دون أن يكلف نفسه عناء الانتقال إلى مسافة متر أو مترين إلى موضع الجهاز، فيستطيع أن ينتقل عبره إلى مشرق الأرض ومغربها وشمالها وجنوبها يستمع ويرى..واتخذ فى سبيل تحقيق الأهداف النبيلة أو غير النبيلة كافة مايراه صاحب المصلحة سواء كان حقاً أم باطلاً دون مراعاة لخلق أو قيمة أو عرف أودين.
وهنا سؤال يطرح نفسه منذ متى عرفت البشرية الإعلام…الواقع التاريخى الذى نعرفه أن الإعلام صناعة إسلامية.. ولكن أى إعلام.. هل هو الإعلام الذى تحدثنا عنه آنفاً…لا إنما هو الإعلام الشريف النظيف، الإعلام الصادق الذى لا يعرف التحريض أو التدمير أو صناعة بطولة أو إلباس الباطل لباس الحق وتحويل القردة والقطط إلى مفكرين وأسود. إعلام يخشى الله، ويعرف الحقوق، ويروج الخير، ويصنع الرجال، ويبنى الشعوب، ويخلق مجتمعاً صلباً قوياً يخوض الحياة، ويتحدى الصعاب… إعلام لا يعرف إلا النور الصادق، والفجر الطاهر، يضع نصب عينية الحقيقة لا يبغى سواها، والخير للإنسانية لا يقصد غيره.
فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحى لجأ أول ما لجأ فى نشر دعوته التى أمره الله بها بأن وقف على مكان عال فى مكة ليسمع الناس، ونادى بأعلى صوته ليتجمعوا حوله قائلاً لهم : أيها الناس: لو أنى أخبرتكم أن خيلاً بظهر هذا الوادى أكنتم بمصدقيّ.. قالوا نعم، ما جربنا عليك كذبا قط..
وفى ذلك لا بد أن يكون الداعى صادقاً فى سلوكه، قويماً فى خلقه، معروفاً بين الناس بالأخلاق الحميدة… وكان محمد القائد يريد أن ينبه العقول إلى ما سيقوله لتتقبله وتتهيأ الأذهان لسماعه ثم قال قولته فى دعوته إلى الدين الحق.. وكان ذلك أول خطوة إعلامية للرسول صلى الله عليه وسلم ثم توالت بعد ذلك الخطوات الإعلامية الأخرى وفقاً لإمكانيات ذلك الزمان.. يتنقل بين القبائل، يذهب إلى التجمعات القرشية، يرحل إلى الطائف ليعلن قواعد المنهج الإسلامى فى بنى ثقيف.
وبعد أن قامت دولة الرسول فى المدينة المنورة بعث برجال فصحاء عقلاء فاهمين إلى القبائل والدول المجاورة للجزيرة العربية حتى مصر بعث برسالة إلى المقوقس وانتشر الرسل فى أرجاء ما هو معلوم لديهم يبشرون بالدعوة وينشرون الحق قاصدين حكام تلك الدول.
ولا شك أن ذلك أسلوب إعلامى يتناسب مع الظروف المتاحة فى ذلك الحين .. وأيضاً فإن خطبة الجمعة ما هى إلا وسيلة إعلامية أسبوعية يقصد بها تذكير الناس بمنهج الخير وتثبيتهم عليه كما أن خطبة العيدين وسيلة إعلامية سنوية تهدف إلى ذك الغرض.. بل إن الأذان عند حلول وقت الصلاة هو إعلام بالتجمع لإعطاء العهد إلى الله جل وعلا بالاستمرار فى طاعته والانخراط فى الإيمان به… فإذا ما قضيت الصلاة انتشر المسلمون فى الأرض لإعمارها ولاستكمال عبادة الواحد الأحد الذى لا تكتمل الطاعة له وعبادته إلا بإعمار الأرض ونشر الحق والعدل و المساواة بين البشر فى الحقوق والواجبات.. بل يمكننا أن نصل إلى القول بأن قراءة القرآن فى أوقات متقطعه هى شحن للهمم ودفع للطاقات الإنسانية البناءة لإقامة حياة كريمة متعاونة متكافئة قوامها الخير للبشرية وهو ما هتف به محمد القائد العظيم حين قال خير الناس أنفعهم للناس مشيراً بذلك إلى أن المسلم الحق هو ما ينفع البشرية كلها دون النظر إلى التفريق بينهم فى المنفعة بسبب الدين أو الجنس أو الطبقة..
ومن ثم فإن الإعلام بحق صناعة إسلامية ولكنه الإعلام البناء الصادق النظيف الذى لا يكذب أهله ولا يضلل شعبه فهل إعلامنا فى العصر الحديث كذلك؟