يدخل علينا شهر رمضان بعد أيام والواجب علينا أن نطهّر أنفسنا من كل ما يمكنه أن يحجب عنا أنوار الشهر الكريم، أو يحبط أعمالنا فيه فالقلوب كالمرآة والذنوب كالنُكت السوداء عليها أو كالغبار وذرات الوسخ تلتصق بها فلا يمكن لهذه المرآة أن تنعكس عليها أنوار القرآن ولا تستشعر الهُدَى ولذة العبادة ولا يخرج منها الدعاء خالصًا لله، إلا بالتوبة والتي تعني تنقية وجلو المرآة اي تطهير القلب من وسخ الذنوب، ولذا وجب علينا التخلص من الأدران العالقة به وتطهيره من الذنوب والآثام والعادات السيئة بالتوبة النصوح، اتّباعًا لأمرالله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..) التحريم ٨.
ومن أعجب العجب أننا في الصوم نحرص على الالتزام بعدم الأكل والشرب من وقت أذان الفجر وحتى أذان المغرب، بل إننا نحرص على التخلص من بقايا الماء في الفم عند الوضوء؛ تقوى لله، نحرص على التأكد من عدم وجود أثر للطعام إذا تذوّقناه على طرف اللسان؛ نفعل ذلك تقوى لله، عند النوم نحرص على إبعاد الماء عن متناول أيدينا حتى نتجنب الخطأ فنشرب منه سهوا إذا استيقظنا فجأة، ورغم أنه لا أحد يرانا في كل تلك الأحوال ولا يعلم ما نفعله ولا لماذا نفعله إلا أننا نقوم به بشكل يومي ودائم، في شهر رمضان؛ نفعل كل هذا تقوى لله، امتثالا لقوله تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ البقرة ١٨٣.
فما بالنا لا نفعل ذلك مع كثير من الذنوب والمعاصي والعادات السيئة التي نقوم بها في حياتنا ونستصحبها في شهر رمضان، كالغيبة، النميمة، التمرد والتكبر والكذب، احتكار السلع، الطمع والجشع، أكل أموال الناس بالباطل، الغش، السب والشتم واللعن والطعن والعصبية وبذاءة اللسان، النظر الى المحرمات، الإضرار بالغير، إيقاع الأذى بالغير سواء إنسان أو حيوان أو نبات، شرب المحرمات من الدخان والمسكرات، النظر إلى المحرمات، الاستماع إلى الملهيات، المماطلة في أداء الديون، والحقوق وغيرها كثير، فماذا علينا لتجلو المرآة ونتحصل على أنوار الرضا من الرحمن بقبول ورفع الأعمال،
قبل أن يحضرنا شهر رمضان فورًا علينا أن نتوجه إلى الله الغفار بالتوبة والإنابة والاستغفار، توبة نصوحة بالندم و(الندم توبة) كما قال رسول الله، والتوبة رجوع إلى الله من المعصية إلى الطاعة، وذلك يعني الإقلاع عن المعصية في الحال والندم على ما سلف منها، ورد الحقوق لأصحابها قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والله يقبل التوبة عن عباده، فلسنا أفضل من رسولنا الكريم الذي قال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإنِّي أَتُوبُ في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ.”