كان الشيخ الراحل، في زيارة للمدينة المنورة بعد أداء مناسك الحج عام 2009 ميلادية، وذهب على نفقته الخاصة في حج القرعة، وكان أنس الكتبى نقيب إشراف المدينة في صحبته، فطلب منه التوقف بجوار سور مقبرة البقيع، ونزل ووقف بجانب السور وسلم على أهل البقيع ودعا الله تعالى أن يرزقه اللحاق بهم والدفن بجوارهم، وبالفعل لم تنقض بضعة أشهر حتى دفن بجوار الصحابة الذين عهد على نفسه الدفاع عنهم، ففى 10 مارس 2010م توفى عن عمر يناهز 81 عاما، إثر نوبة قلبية تعرض لها في مطار الملك خالد الدولى بالسعودية عند عودته من مؤتمر دولي، لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها.
ولد الدكتور محمد سيد طنطاوى في الـ 28 من أكتوبر لعام 1928م في قرية سليم الشرقية بمحافظة سوهاج، تعلم وحفظ القرآن في الإسكندرية ثم حصل على الليسانس من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1958م،
وعمل بعدها إماما وخطيبا في وزارة الأوقاف عام 1960م، وعقب حصوله على درجة الدكتوراه في التفسير عام 1966 تم تعيينه مدرسا في كلية أصول الدين عام 1968م، ثم تدرج في عدد من المناصب الأكاديمية بكلية أصول الدين في أسيوط حتى انتدب للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات، وفى عام 1980 انتقل إلى السعودية للعمل رئيسا لقسم التفسير في كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
وإلى جانب العمل الأكاديمى تولى الكثير من المناصب القيادية في المؤسسة السنية الأولى في العالم، كما عُين مفتيًا للديار المصرية في 28 أكتوبر 1986 حتى تم تعيينه في 27 مارس 1996 شيخًا للأزهر.
يعتبر الإمام الراحل، أحد أبرز علماء الأزهر، وتميز بكونه عالم دين معتدل، وأصدر خلال فترة توليه دار الإفتاء في مصر العديد من الفتاوى التي أثرت العالم الإسلامي، وله إسهامات متعددة في العمل الدينى حيث قام بتفسير مبسط لسور القرآن، وله حديث إذاعي«مع القرآن» فسر فيه آيات القرآن الكريم بطريقة سهلة ميسرة، بإذاعة القرآن الكريم.
كانت لطنطاوي رؤية ثاقبة في التجديد ومراعاة المستجدات وقراءة التراث قراءة عصرية تمثلت في رؤيته لأعمال وفوائد البنوك التي تبناها بعد ذلك مجمع البحوث، ورأيه في قضية النقاب وأنه ليس مفروضا، وإباحته زراعة الأعضاء وتبرعه بأعضائه.
وجدد طنطاوي مناهج الأزهر بمؤلفاته التي ملأت المكتبة الأزهرية في لغة عصرية سهلة بعيدة عن الحشو والتعقيد وكثير من القضايا الجدلية التي لا تقوى أفهام التلاميذ على استيعاب عباراتها التي وردت ببعض كتب التراث.
وأزال من كتب المعاهد الأزهرية، جميع القضايا التي تدعو للتشدد والتعصب أو الاحتقان الطائفى في رؤية وبصيرة نادرة سابقة لعصره وزمنه وللأحداث التي نعيشها الآن.
كان طنطاوى، شبه منقطع لعمله في الأزهر ومؤلفاته وكتاباته، وكان يقول دائما العمل مقدس قبل كل شىء، وكان غير تقليدى في حل المشكلات خاصة التي تتعلق بمصلحة الأزهر أو العاملين به، وإذا أراد أحد العاملين السفر للعمل بالخارج، لا يقف حائلا أمامه ويعطيه الإجازة، ويقول” لا تقفوا في وجه أحد دعوه يستفيد ويفيد البلد”.
واشتهر طنطاوي بأنه كان شديد الغيرة على الأزهر، ولا يغضب لشخصه، ولكن يشتد غضبه وانفعاله إذا شعر من أحد لديه الرغبة في النيل من الأزهر أو أي من مؤسسات الدولة، كما كان حريصا على المال العام لدرجة أنه كان لا يستخدم السيارة المخصصة له من قبل الدولة في أموره الشخصية، وهذا ينطبق بالتالى على جميع أفراد أسرته.
ورفض طنطاوي أن يعالج ابنه أحمد في ألمانيا على نفقة الدولة، وقال لوزير الصحة ”الحمد لله لدينا الاستطاعة أن نعالجه”، كما كان دائم الرفض للتدخل في قضاء مصالحهم في مؤسسات الدولة، ويقول لهم ”ما تحرجونيش في هذه الموضوعات مع أحد”، ومن ذلك لم يعط استثناء في السن لإدخال ابنه أحمد الأزهر.