الحساب الفلكى لا يغنى عن الرؤية البصرية
علماء الأزهر وظّفوا العلوم التجريبية لخدمة الشريعة
شتان بين علم الفلك والتنجيم
موعد الفجر فى مصر صحيح.. ومزاعم السلفيين غير علمية
أكد د. أحمد عبدالبر– المدير التنفيذى لمركز الفلك الشرعى بالأزهر- أن مركز الأزهر الفلكى هو المركز الشرعى الوحيد على مستوى الشرق الأوسط والعالم الاسلامى، مشيرا إلى أن علماء الأزهر وظَّفوا العلوم التجريبية لخدمة الشريعة الاسلامية، وأنه لا خلاف بين علماء الشريعة وعلماء الفلك فيما يتعلق ببدايات الأَهِلَّة ونهايتها .
وشدّد على أن الحسابات الفلكية لا يمكن أن تخطىء لكنها لا تُغنى عن الرؤية البصرية، وأنهما يكمِّلان بعضهما البعض.
أشار الى أن رؤية هلال رمضان تكون مستحيلة اذا غرب الهلال مع غروب الشمس وتكون الرؤية ممكنة اذا مكث الهلال بعد الغروب نصف ساعة، واستنكر عمل الهواة بالفلك، مؤكدا أن هذا العمل يترتب عليه أخطاء كبيرة وجدل وبلبلة لا حصر لهما.
ولفت الى ان التنجيم يختلف جملة وتفصيلا عن علم الفلك، وتمنّى إيجاد آلية موحّدة لرؤية الهلال.
وفيما يلى نص الحوار الذى أُجرى معه.
*بداية نود التعرف على نشأة المركز والهدف من إنشائه وأهم الأعمال التى يقوم بها؟
** فى حقيقة الأمر هذا المركز هو نتاج استراتيجية الأزهر لدمج العلوم التجريبية فى خدمة مقاصد الشريعة الاسلامية، وهذا المركز نتاج تعاون وكالة الفضاء المصرية وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الاسلامية، ويوجد داخل المجمع.
تقسيم المركز
*هل يمكن أن تطلعنا على التقسيم الداخلى للمركز؟
** المركز يتكوّن من خمس وحدات، لكل وحدة رؤية محددة تحقق رؤية المركز، وهذه تحقق الرؤية العامة لمجمع البحوث الاسلامية، فالوحدة الأولى هى وحدة التراث الاسلامى العلمى أو الفلكى، وهى تهتم اهتماما كبيرا بالتراث العلمى لعلماء الحضارة العربية والاسلامية للبحث فى المخطوطات والعلوم التى وثَّقها العلماء، لاسيما علماء الأزهر ومشايخه، وبجانب ذلك نحاول استرجاع وتوظيف الأدوات الفلكية التى استخدمها علماء الحضارة الاسلامية فى أبحاثهم حتى نعطى لمحة بأن هؤلاء الرجال، وهذه الحضارة، هى منبع لكل العلوم والمعارف الدنيوية، وخاصة العلوم التى وُظِّفت لخدمة مقاصد الشريعة الاسلامية، فعلى سبيل المثال الشيخ حسن العطار- شيخ الأزهر- والإمام الدمنهورى، هؤلاء العلماء كان لديهم الكثير من العلوم الشرعية بجانب العلوم التجريبية، فقد كانوا بارعين فى الكيمياء والفيزياء والفلك والتشريح، فهؤلاء الرجال وظَّفوا العلوم الدنيوية لخدمة الشريعة الاسلامية حتى نقول أن الحضارة الاسلامية تعى وتفهم المتغيّرات الزمنية والمكانية التى تطرأ على التطوّرات المعاصرة للعلوم من وقت لآخر.
كما يوجد بالمركز وحدة الحسابات الفلكية وهى تهتم باستنتاج وفهم حركة الأجرام السماوية طوال السنة ومن مهامها: تحديد موعد الكسوف والخسوف ومواعيد بداية الأهِلَّة وانتهائها، كما تحدد المكان المناسب لرؤية الهلال وتضع الرؤية العلمية الكاملة للحسابات الفلكية ومواقيت الصلاة. فضلا عن دراستها الدقيقة لكل بقعة على الكُرة الأرضية، فهذه الوحدة على سبيل المثال تهتم بدراسة مواقيت الصلاة للمسلمين العالقين فى الدول الأوروبية المختلفة التى يطول فيها الليل أو النهار، فنحن نسعى جاهدين أن نضع لهم تقويما إسلاميا وسطيا يعتنى بخدمتهم لتحقيق غاية الصلاة والصيام .
*هل توجد ثمَّة تواصل بين المركز وهذه الجاليات؟
** بالطبع نحن على تواصل معهم عن طريق مبعوثى الأزهر بالخارج فى كل الدول الأوروبية، والكل يعرف قيمة الأزهر ويثق فيه وفى كل ما يصدر عن علمائه لأنهم حرَّاس الشريعة .
وحدة مستحدَثة
*هل يمكن أن تطلعنا على طبيعة وحدة التكنولوجيا لفهم النصوص الدينية؟
** حقيقة هذه الوحدة مستحدَثة وهى تتعلّق بتطوّر الذكاء الاصطناعى حتى نغلق الأبواب أمام المُلحدين والمشكِّكين فى ثوابت الشريعة الاسلامية. والقائمون على هذه الوحدة يهتمون اهتماما كبيرا بالاتجاهات العلمية الصحيحة، ويضعون الأدلة العلمية المنطقية نحو حركة الأجرام السماوية، وأمام كل من يدّعى أن الأرض مسطَّحة ولا يوجد إله لها! وأمام كل من يدّعى أن الكون خُلِق بالصُدْفة ولا خالق له!
*ما هى طريقة ردّكم على الملحدين الذين يدّعون أن الكون خُلِق بالصدفة ولا يوجد خالق له؟
**نحن نرد على هؤلاء بالأدلة والبراهين العلمية القاطعة، وبواقع الأبحاث العلمية الموثّقة المعتمَدة، وبواقع لجان علمية متخصصة يتكامل معها لجان فى العقيدة الاسلامية لوضع الطريق الصحيح أمام هؤلاء. وحتى نقول ونؤكد أن الأزهر هو قِبْلة المسلمين والإنسانية على مستوى العالم، وعندما يتكلم علماء الأزهر لابد أن يسْكُت الجميع .
حوار مع الملحدين
*هل ثمّة حوار يجرى بين علماء الأزهر المتخصصين فى العلوم التجريبية وبين الملحدين والمشكِّكين؟
** نعم هناك حوارات دائمة تجرى بين علماء الأزهر وهؤلاء المشكِّكين، وتتعاون فيها مختلف الجهات الأزهرية، مثل: مركز الفتوى ومرصد الأزهر، فالحوار الحضارى المتواصل خاصة فى القضايا التى تتعلق بالفهم، مطلوب دائما، وهو من الأساليب التى تؤدى الى الاقتناع بالأدلة العلمية.
وهذه الحوارات تؤكّد وتدعم قُدرة الفكر الإسلامى على حسِّه، وعلى مجابهة الإلحاد المعاصر، وقدرته على التدبّر والتفكّر، فقد سبق للمركز أن عقد ملتقى علميا عن التنجيم بين العُرف والشرع الحنيف. وكان الهدف الأساسى إظهار حقيقة التنجيم، والتأكيد على زيفه، وأنه ليس من الدين فى شئ، وأن الاقتداء بعلم النجوم لا علاقة له بالشريعة الاسلامية، بل أكد الملتقى أن من يعمل بالتنجيم هو ساحر وكاذب، استنادا لقول النبى: “من أتى ساحرا أو عرّافا فقد كفر بما أُنزل على محمد”، وفى رواية: “لن تُقبل منه صلاة أربعين يوما”، فالتنجيم يفتح الباب للسحر والمشعوّذين وهذا ما نحذّر منه ونؤكّد عليه .
الفلك والتنجيم!
*هذا يؤكد أن علم الفلك يختلف تماما عن التنجيم، فهل يمكن أن توضح ذلك؟
** بالطبع شتّان بين علم الفلك والتنجيم، فالذين يبنون أفكارهم على طالع النجم وحركة النجوم، هذا دَجَل وشعوذة وليس من الدين فى شئ، كما أكدت سابقا، بل هو بعيد كل البعد عن الدين، لأن الله عزَّ وجلَّ لم يُطْلِع أحدا من خلقه على علمه، فقد قال: “عالم الغيب لا يُظهر على غيبه أحدا”، وكان الأولى لهذا المُنَجِّم أن ينفع نفسه قبل أن ينفع غيره!
وللأسف الشديد هؤلاء المُنجِّمون كثروا وذاعت شُهرتهم بتنبّوءاتهم عن أحوال الناس، خاصة المشاهير! فضلا عن حديثهم عن الأحوال الاقتصادية للناس فى الأعوام القادمة! وانها ستكون أشد بؤسا وفقرا! وهذا الحديث باطل تماما، والأزهر ينكر مثل هذه الأحاديث وتلك التنبّؤات، ومن يتكَلَّم فى هذه الأمور ليس بفلكي ولا شرعي، انما هو مُنَجِّم يمتلك أدوات السَحَرَة وتسخير القرين! تعينه على الحديث فى مشاكل وأمور كل الناس تعرفها!
إنما علم الفلك يختلف جملة وتفصيلا عن علم التنجيم، فهو ينقسم الى فرعين: علم الفلك الشرعى، وهو يتعلق بحركة الأجرام السماوية لخدمة مقاصد الشريعة الاسلامية، والعلم التجريبى الذى يتعلق بفيزياء الكون وميكانيكة حركة الأجرام والأقمار الصناعية، وهذان الفرعان يحقّقان غاية الدولة فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومجابهة التغيّر المناخى، فضلا عن سعيهم لخدمة البيئة، وهذا ما حقّقه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تدشين وكالة الفضاء المصرية عام 2018 وهى شريك علمى معنا.
اختلاف العلماء
* فيما يتعلق ببدايات ونهايات الشهور القمرية، ما سبب هذا الاختلاف؟
** حقيقة الأمر ليس هناك خلافا يُذكر، فهناك من يعتد بالرؤية البصرية، ويقول أنها قاطعة وحاسمة، لكن الحساب الفلكى لا يغنى عن الرؤية البصرية، إنما يقول أن الهلال يُولد فى الساعة السادسة.
هنا لابد أن يخرج الفلكى بأجهزته ليسجّل رؤية الهلال فى الوقت المحدّد لرؤيته، فالحساب يتكامل مع الرؤية البصرية، فلدينا قاعدة علمية تقول: أن القمر إذا وُلِد قبل غروبه بعشر ساعات أو اثنى عشر ساعة تتم رؤيته بشكل واضح. وهذا ما قاله لنا الحساب الفلكى، لكن إذا أخبرنا الحساب الفلكى أن فترة وجود الهلال فوق الأُفق دقيقة أو نصف دقيقة، فهذا يعنى استحالة رؤية الهلال، ومن ثمَّ يكون هذا اليوم هو المتمِّم للشهر وليس بداية شهر جديد.
لكن إذا قال الحساب الفلكى: أن الهلال سوف يستمر فى الأُفق نصف ساعة ولا يغرب قبل غروب الشمس، فهذا يعنى بداية الشهر القمرى الجديد، فوجود الحساب هام للغاية لأنه يعطينى الدلالة والاسترشاد نحو المكان الصحيح للرصد والفهم الصحيح للهلال، والمكان الدقيق للرصد، فالحساب الفلكى يتمِّم الرؤية البصرية وهو دليل على تحقّق الرؤية من عدمه، وحتى يكون الأمر جازما وحاسما، لابد من الخروج لرؤية الهلال بناءً على الحسابات الفلكية، وإذا تحقّقت الرؤية نقول: شوهد الهلال. وهذا ما يقوله فضيلة المفتى عند الإعلان عن بداية الشهر القمرى الجديد، وهذه هى الرؤية البصرية الحاسمة للموقف .
رؤية مستحيلة
*ومتى تكون رؤية الهلال مستحيلة؟
** الرؤية تكون مستحيلة إذا كان مكث الهلال أقلّ من دقيقة، وهذا يعنى أنه سيغرب مع غروب الشمس، هنا تتعذّر رؤية الهلال بل تكون مستحيلة، فالفصل فى الموضوع ألا يغرب الهلال مع غروب الشمس بل يظل فى الأُفق مدة نصف ساعة بعد الغروب لكى تتم رؤيته .
الجمع بين الرؤيتين
*هناك بعض الدول لا تعتد بالحساب الفلكى وتعتمد على الرؤية البصرية فقط وتعمل بقول النبى “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” هل تراها على صواب؟
** هذه الدول على حق تماما، لكن الحساب مكمِّل للرؤية البصرية، فمن يعتمد على الرؤية فقط صحيح، ومن يعتمد على الحساب الفلكى صحيح أيضا، لكن الأصحّ هو الجمع بين الرؤية البصرية والحساب الفلكى. ففى ظل توافر العلم الفلكى الذى لا يحمل الخطأ، لابد من الجمع بين الأمرين، ثم أنتقل للرؤية البصرية مع توافر أدوات هذه الرؤية التى لا تحمل شوائب وأخطاء. وفى هذه الحالة لا يمكن التشكيك فى بدايات ونهايات الشهور القمرية، خاصة شهور المناسبات مثل رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة .
قمر صناعى عربى
*هل تؤيد مطالبة البعض بضرورة اتفاق المسلمين على آلية واحدة لتحرِّى الأهلَّة؟
** نحن نأمل ذلك فى المستقبل، إما بإيجاد قمر صناعى واحد أو الاتفاق على آلية موحَّدة لجميع البلدان الإسلامية، لكن اتّباع بعض الدول لمنهج واحد فى تحرِّى الأهلَّة فهذا شئ حسن، لكن ما يؤدى إلى الاختلاف هو المدارس العلمية المختلفة، خاصة أن علم الفلك يفتح الباب للهواة، وهذه إشكالية كبيرة، فمن الوارد أن يتحدث فى الأمور الفلكية مَنْ لا يملك أدوات تلك العلمية! ولا يفهم معنى الخطأ وما يترتب عليه!
اتّباع المملكة
*هل تؤيد مطالبة البعض باتّباع المملكة العربية السعودية فى تحرِّى الأهلَّة، لضمان توحيد المسلمين بغض النظر عن رؤيتنا أو عدمها؟
** نحن فى بلادنا نرى الهلال ونأخذ بكل الأدوات العلمية، ونحقّق الرؤية البصرية، ولا شك أن المملكة هى قِبْلَة الإسلام، والأزهر هو قِبْلَة العلم، فإذا تكامل العلم مع الإسلام فهذا شئ رائع .
توحيد الرؤية
*الى أى مدى ترى إمكانية التوفيق بين توحيد رؤية الهلال واختلاف المطالع؟
** رؤية الهلال أمر يتعلق بخط العرض الذى تقع فيه الدولة، أما المطالع تخص مجموعة دول، فإذا وُجِدَ الهلال فى كل الدول ترتّب على ذلك توحيد للمطالع، فإذا وُجِدَ الهلال فى السعودية ثم المغرب ثم مصر ترتّب على ذلك توحيد مطالع الأُمة العربية .
*هل تؤيد قرار مجمع البحوث الاسلامية بأنه لا عبرة باختلاف المطالع، وإن تباعدت الأقاليم، طالما أنها مشتركة فى جزء من ليلة الرؤية؟
** بالطبع أؤيّد هذا الرأى بشدَّة، فمصر مذهبها حنفى يقول: إذا شُوهد الهلال فى أى قطر من الأقطار الإسلامية وجب على الجميع الصوم.
*بما تفسّر اختلاف المراكز الفلكية فى المعايير التى تتبعها وتسير عليها؟
** لا يوجد مركز فلك شرعى على مستوى الوطن العربى والشرق الأوسط كله سوى بالأزهر، فمعايير مركز الأزهر الفلكى علمية وسطية، تستند للشريعة الإسلامية، فى حين توجد مراكز فلكية لا تستند لأى معايير علمية أو شرعية! وهذا يؤكد مقولة أن الفلك للهواة!
جدل موعد الفجر
*وكيف ترى الجدل المثار على موعد أذان الفجر فى مصر، وهل تم حسمه بالمركز؟
** لابد أولا من القول والتأكيد على أن موعد أذان الفجر فى مصر صحيح. والازهر حسم الموقف وأكّد صحّة الموعد، ونحن من جهتنا عندما يُثار جدل نقوم بعمل مسح فلكى شامل على مدار سنة، لرصد الفجر الصادق والكاذب على مستوى محافظات مصر، لكن لا توجد إشكالية على موعد الفجر، فمزاعم السلفيين فى هذا الأمر غير علمية ولا يوجد أساس علمى لها. فنحن نخرج اليوم من المسجد الساعة السادسة صباحا، هل ننتظر حتى شروق الشمس؟ فمتى أذَّن المؤذِّن للصلاة، وجبت الصلاة، وهى صحيحة قولا واحدا، غير أن السلفيين لا يروّجون لهذا الكلام إلا عندما يكون الفجر فى الصيف! حيث يؤذَّن له فى الساعة الثالثة والنصف او الرابعة إلا ثلث، هنا يبدأون فى الحديث والتشكيك لكنهم غير متخصصين ولا يفهمون أن الشمس تنتقل من اعتدال الربيع الى اعتدال الخريف! لذا لا يعتد بكلامهم ولا يؤخذ به ولا يلتفت إليه. فمن المستحيل أن يكون وقت صلاتنا به خطأ ولا نغيّره ولا نعترف بذلك. لذا لا داعى للتشكيك وإثارة البلبلة، فموعد الفجر صحيح ولا شئ فيه، رغم أنف المشكِّكين، فالنبى قال: “إنَّ اللَّهَ قد أجارَ أمَّتي أن تجتمِعَ علَى ضلالةٍ”.