تحدَّثنا كثيرا عن فضل الصوم وكيف أن رمضان شهر المِنح، ولكن الأولى بنا التحدّث عن الصائم وكيف أعدّ نفسَه لاستقبال الشهر الفضيل؟ لا أقصد بالطبع تزيينه لبيته وإحضار ما لذّ وطاب بل أقصد تزيينه لقلبه بطرد كل ما لا يليق بالنفس المؤمنة، وتزيينه لحياته بصالح الأعمال. فعلى كلٍّ منّا أن يقف وقفة جادّة مع نفسه يُراجع فيها شيئين: أولهما علاقاته مع الآخرين، هل لأحدهم مظلمة لديه؟ هل افترى على أحدهم كذبا؟ هل أعان ظالما على ظلمه؟ هل خان أو خدع أو أهان أو أذى غيره؟ فليُسارع بإصلاح ما أفسد واقترف في حق الآخرين، فإنه لا تكفي التوبة مع حقوق العباد، بل الإصلاح والسعي للترضية وعدم الطمع في أخلاق المجني عليه، بل ردّ له حقّه المعنوي، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “الدواوين عند الله عزَّ وجلَّ ثلاثة: ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأمّا الديوان الذي لا يغفره الله، فالشرك بالله، قال الله عزَّ وجلَّ {إنه من يُشرك بالله، فقد حرّم الله عليه الجنّة} وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا: فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربّه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عزّ وجلّ يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا: فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة”.
وأما الثاني فهو الإيرادات فراجِع مصادر دخلك وتحرّى الحلال في كلّ ما تكتسب واحذر استحلال حقّ الغير، وكذلك المال العام، ثم راجع فيم تنفق، فاجعله في منفعة ورتِّب أولوياتك. طهِّر مالَك بالزكاة والصدقة والقرض الحسن، فقد قيل: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مُستجاب الدعوة. فقال: “يا سعد، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمدٍ بيده إن العبد ليقذف بلُقمة الحرام في جوفه فلا يُقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمُه من السُحت والربا، فالنار أولى به”.