هو أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن إبراهيم الملقب بـ«ابن كلس»، وزير من الكتَّاب والمشتغلين بالحساب في أول عهد الدولة الفاطمية في مصر، ولد 930م في بغداد لعائلة يهودية، سافر مع أبيه إلى بلاد الشام ثم إلى مصر سنة 331هـ.
فاتصل ببعض جنود كافور حاكم مصر فعهد إليه بعمارة دارهِ ورأى فيهِ النزاهة فعيَّنه في ديوانهِ الخاص وازدادت مكانته عند كافور حتى أمر أصحاب الدواوين ألا يُصرف شئ من المال إلا بتوقيع ابن كلس، سنة 336هـ.
وفي شعبان 356هـ أظهر ابن كلس إسلامه وصلّى في الجامع فزادت مكانته عند كافور، لأنه أعجب بشجاعته فكان تاجرا وعالما بأحوال البلاد، فكان يريد أن يولّيه الوزارة، وقال: لو كان مسلما لولَّيته الوزارة! فوصل له الكلام وأخذ يعرف عن الدين والتقي بالمشايخ والأساتذة حتى دخل في الدين! ولما علم كافور فرح وعيَّنه وزيرا.
إلاّ أن وزير كافور جعفر بن الفرات، كان يحسده على هذه المنزلة وينازعه، فلما مات كافور 357هـ قبض ابن الفرات على جميع الكتَّاب وأصحاب الدواوين وفي جملتهم يعقوب بن كلِّس، فلم يزل يتوصّل ويبذل الأموال حتى أفرج عنه! فهرب مستخفياً إلى المغرب، وهناك لقي جوهر بن عبدالله الرومي، مولى المعز العبيدي “وهو في طريقه لغزو مصر والقضاء على الدولة الإخشيدية، فرجع معه إلى مصر”.
وقيل: إنـه استمر على قصده وانتهى إلى إفريقيا وتعلّق بخدمة المعز العُبيدي، فلما ارتحل المعز إلى الديار المصرية 362هـ واعتلى كرسي الخلافة فيها رافقه ابن كِلّس، وظل في خدمته.
وفي 363هـ أسند المعز لدين الله شؤون الدولة الحربية والمدنية إلى ابن كلس. وجعل معاونه في ذلك (عُسْلوج بن الحسن المغربي).
كما أسند إليهما أيضاً مهمة الإشراف على الشرطتين: (شرطة الفسطاط السفلى، وشرطة العسكر والقطائع العليا) بعد أن كان أمرهما بيد جوهر الصقلِّي الذي أدرك المعز كثرة مشاغله فأعفاه منهم.
أسند لهم شؤون البلاد المالية والخراج والحسبة والأوقاف وسائر الأعمال. وبعد موت المعز لدين الله سنة 365هـ تولى الخلافة ابنه العزيز بالله فظل ابن كِلّس يلازمه ويعمل في خدمته حتى جعله وزيرا سنة 368هـ. ولقّبه بالوزير الأعظم بعد أن استقال من هذا المنصب خصمه (جعفر بن الفرات) حين شعر بضعف سلطته وتقلّص نفوذه.
ومع ذلك فقد تمتَّنت علاقة الود والصداقة بين الرجلين. حتى إن ابن الفرات كان يغدو ويروح إلى ابن كِلّس الذي ما فتئ يوليه ثقته ويرجع عليه في محاسبة العمال، ويجالس معه ويدعوه إلى تناول الطعام معه بعد ما كان بينهما من تنافس وخلاف. وهكذا أصبح ابن كِلّس يكتب للعزيز كتبه ومراسلاته ويسعى إلى إدارة أمور الدولة الفاطمية بهمّة عالية ومهارة فائقة.
ولكن الغريب أن ابن كلس قد صُرف عن الوزارة سنة 373هـ، بعد أن نقم عليه العزيز لأسباب لم تفصح عنها كتب التاريخ والتراجم، واعتُقل في القصر ثمانية أشهر، ثم أُطلق سراحه بعدها وأعيدت إليه مقاليد الأمور من جديد، وأُغدقت عليه العطايا والهبات.
مات ابن كِلّس في القاهرة وصلّى عليه العزيز بالله بعد أن كُفِّن وحُنِّط بما مبلغه عشرة آلاف دينار، وألحده في قبره بيده وانصرف حزيناً لفقده، ثم أمر أن تغلق الدواوين الحكومية عدة أيام بعد وفاته.
المصدر: يعقوب بن ڪلس، حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية (مكتبة النهضة المصرية، 1958)،