د. محمدي صالح عطية: سارعوا في العبادات والعمل الخيري
د.صبري الغياتي: أكثروا من قراءة القرآن.. والتسلح بمكارم الأخلاق
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتي
أكد العلماء المشاركون فى ندوة” رمضان شهر الطاعات” التي نظمتها عقيدتي بالتعاون مع وزارة الأوقاف، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، بمسجد علي بن أبي طالب بالدقي، أهمية تهيئة الروح والجسد لاستقبال رمضان؛ باستصحاب وفعل العبادات والطاعات من صيام وقيام وقراءة قرآن، وصلة أرحام، وبذل وعطاء وجود وسخاء..الخ.. وأشاروا إلى أهمية الوقوف والتعرف على فضائل الشهادة والعبادات وخاصة الصلاة والصيام.. حضر الندوة الشيخ محسن عبد الظاهر، مدير أوقاف شرق الجيزة، محمود فرحات، إمام وخطيب المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحريرعقيدتي، أن رمضان شهر القرآن والإحسان، واختلفت طرق استقباله من مسلم لآخر، فهناك من انشغل فيه بالطاعات ما ظهر منها وما بطن حتى يخرج من” الأزكايون الإلهي” مغفورا له، وعلى النقيض جعل البعض همه الأول إعداد أشهي المأكولات، والأفلام والمسلسلات وبرامج اللهو والعبث والمباريات، والذهاب إلى الإفطار والسحور الراقص على أنغام الموسيقي في الخيم والحفلات الشيطانية بعد أن أصبح أسيرا ل”نفسه الأمارة بالسوء”و” شلة الأنس”!
موسم الطاعات
أوضح د. محمدي صالح عطية، الأستاذ بكلية دار العلوم- جامعة المنيا، أن رمضانُ موسمُ الطاعات والخيرات والبركات والنفحات ،وإنما سُمي رمضان بـ «الموسم»؛ لأن الموسم هو الوقت الذي يسمى بالفرصة الذهبية؛ فرمضان فرصة ذهبية للغائبين أن يعودوا، وللبعيد أن يقترب، وللمنقطع أن يتصل، وللطائع أن يزداد طاعةً، وللولي أن يزداد وِلاية، لأن الله عز وجل جعل في رمضان ما لا في غيره من بركات ونفحات؛ فهو محطة لتجديد الإيمان، وبداية السعادة الحقيقية، لذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام:” لَمَّا رَقِيتُ الدَّرَجَةَ الْأُولَى جَاءَنِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ”، وذلك لأن المسلم الذي يُدرك رمضان، ولو بضع دقائق، ولم يحصل فيها ما يقربه من الله تعالى، فهو شقي على الحقيقة؛ لأنه خسر أكبر فرصةٍ.
وأوضح أن شهر رمضان يرتبطُ بالطاعات ارتباطًا شديدًا؛ لذلك المسلم الذكي هو الذي يبادر بالأعمال الصالحة، كما قال النبي:” بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنِسٍّ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟”. فرمضان يزيل كلَّ العوائق التي تعوق عن الأعمال عن قراءةُ القرآن فهو شهر القرآن، قال تعالى: ” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ “والقرآن يأتي يوم القيامة مع الصيام شفيعًا لصاحبه يقول الله تعالى:” يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا” وقال النبى: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ”، قَالَ:” فَيُشَفَّعَانِ”. نحن نتكلم عن القرآن يجب أن نتنبه إلى شيء مهم، وهو تدبر القرآن؛ فكما نجعل لأنفسنا وردًا من تلاوته، يجب أن نجعل لأنفسنا وردًا من تدبره، ولو آية في اليوم، فتدبر القرآن هو السبيل الأول إلى التلذذ بقراءته.
أضاف: يجب صيامُ الجوارح ، فإذا كان الصوم يأتي شفيعًا لصاحبه يوم القيامة؛ فإنه ذلك الصوم الذي يصونه صاحبه عن كلّ عيب ونقص، وهو ما أشار إليه النبي حين قال:” من لم يدع قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه”، يقول جابر رضي الله عنه:«إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”. لذك كان السلف إذا صاموا قالوا: “تعالوا نطهر صيامنا”، فيجلسون في المسجد ذكرًا وتلاوةً وفكرًا، مع التسلح بحسنُ الخلق لأن الصائم على الحقيقة هو الذي يزين صيامه بحسن الخلق؛ إذ أعلى درجات الصوم تُدرك بحسن الخلق:”إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجاتِ قائم الليل صائم النهار”. وفي رواية:«إنَّ اللهَ ليُبَلِّغُ العبدَ بحسنِ خلقِهِ دَرَجَةَ الصَّوْمِ والصَّلاةِ “، كما أن رمضان فرصة لمضاعفة الأجورلأن هناك طاعاتٌ وأعمال صالحة كثيرةٌ إذا عملها المرءُ تتضاعف له أجوره، وتزداد المضاعفة في رمضان، وهذا من رحمة الله بعباده؛ أنه يكافئ بالزيادة على الطاعات، ومن ذلك أنك يمكن أن تأخذ ثواب عتق رقبةٍ في زمنٍ لا يوجد فيه عبيد، ولك أن تتخيل أنَّ عتق الرقبة قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ”
وطالب د. محمدي، الصائم بأن يحرص على العمل الخيري وتقديم العون للمحتاجين؛ قال صلى الله عليه وسلم:” مَنْ مَنَحَ مِنْحَةَ وَرَقٍ، أَوْ مِنْحَةَ لَبَنٍ، أَوْ هَدَّى زُقَاقًا كَانَ لَهُ كَعِدْلِ نَسَمَةٍ”. أي من أقرض مسلمًا مبلغًا ماليًا، وسيسترده، أو منحه شيئًا ينتفع به ثم يرده إليه كمن يعطي لصاحبه وسيلةً يتكسبُ من خلالها، أو من أرشد ضالاً عن الطريق كان له كعِدلِ نسمة، ومن الأعمال التي يجب أن يداوم عليها المرءُ في رمضان:«الذكر»؛ فالذكر هو زادك في صيامك، كذلك من الأمور المهمة التي يجب أن يواظب عليها المسلم: أن يصلي العشاء والفجر في جماعة المسجد، ويبقى مع الإمام في صلاة التراويح (القيام) حتى ينصرف؛ فالنبي يقول: “إن الرجلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ”
وحذر د. محمدي من الإغراق في الانشغال بالطعام والشراب واللهو، مما يجعل المسلم يخسر الأوقات العظيمة التي تضاعف فيها الحسنات، فهو” أوكازيون إلهي” سنوي، ولنا أن نتأمل الحديث البنوي الذي يبين لنا فضائل رمضان على غيره من الشهور فقال صلى الله عليه وسلم:”هذا رمضانُ قد جاءَكم، تُفتَّحُ فيهِ أبوابُ الجنَّةِ، وتغلَّقُ فيهِ أبوابُ النَّارِ، وتسلسلُ فيهِ الشَّياطينُ”، وقال في حديث آخر:” إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ”.
وأنهى د. محمدي كلامه مؤكدا أن ديننا الحنيف أهتم ببناء المسلم على سلامة القلب لأنه مقر ومستقر الإيمان الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى الذي وصفه نفسه بأنه يعلم ما لا يعلمه أو يراه البشر فقال الله سبحانه وتعالى:”…إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ”، واختص الله مفسه بالجزاء على الصوم وهو الكريم فقال في الحديث القدسي:” كلُّ عَمَل ابن آدَم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به، والصيام جُنَّة”. وما أجمل ما جاء في الأُثر عن الإمام الحسن البصري قوله:” ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل” وله در الشاعر:
رَمَضَانُ أَقْبَلَ قُمْ بِنَا يَا صَاحِ…هَذَا أَوَانُ تَبَتُّلٍ وَصَلاحِ
الكَوْنُ مِعْطَارٌ بِطِيبِ قُدُومِهِ…رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَنَفْحُ أَقَاحِي
الجوهر قبل المظهر
أكد د. صبري الغياتي، مدير الدعوة بأوقاف الجيزة، أن فرض الله الصيام ليس قاصرا على الإسلام فقط، وإنما فرضه بصور مختلفة على الأمم السابقة لما فيه من خير الدنيا والآخرة، فقال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” ومضمون التقوى هي: امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وهذا يتحقق في الصوم؛ لأن العبد يكون في غاية التقوى والإيمان، ولهذا يقول الرسول: ” مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ “، وأهتم بسلامة وصلاح القلوب، والجوهر قبل المظهر، فقال الرسول:” إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” والموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي أمر الله فيه بتلازم زينة القلب مع المظهر عند الذهاب للمساجد التي هي بيوت الله في الأرض وزواروا فيها عمارها، فيحب الله أن تلقاه أن بنظافة الثياب النظيف، والقلب السليم، فقال تعالى:” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”
وحث د. الغياتي الصائمين الاهتمام بالجوهر والتوبة إلى الله مما مصى من الذنوب والمعاصي، وإصلاح العلاقات الإنسانية بالبشر والإكثار من الزكوات والصدقات لأنه سبحانه القائل:” يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ”، وهذا تحذير نبوي من نسيان الحكمة من العبادات ومنها الصوم، والانشغال بالدنيا وأهواء النقس البشرية فقال النبي:” الكَيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني”، وعلينا أن نحكم عقولنا وليس الانشغال بالمظاهر، وأن نتأمل قول الله تعالى:” وقُلِ اعْملُوا فسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والمُؤمنونَ وستُردُّونَ إلى عالِم الغَيْبِ والشّهادةِ فيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعملونَ” ونتعجب من البدع الشيطانية مثل الإفطار أو السحور الراقص على أنغام الموسيقى في الفنادق والخيمات الرمضانية التي ترتكب فيها الموبقات، وتسرق وقت الطاعات من الصائمين الممتنعين عن الحلال والمفطرين على الحرام، فيكون من الصائمين الذين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، وهؤلاء المنشغلين بزينة الدنيا في رمضان وتركوا قلوبهم خربة أخشى أن يكونوا ممن قال الله فيهم:” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” وصدق رسول الله صلى عليه وسلم حين قال:” رغِمَ أَنفُ – خاب وخسِر- رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبل أن يُغفَرَ له، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَه أبواهُ الكِبَر فلم يُدْخِلاهُ الجنة”
ودعا د. الغياتي الصائمين إلى المسارعة في العمل الخيري بإخلاص لله القائل:” وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”. وكذلك قول الرسول :”أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، و مَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ” كما أن الزينة الحقيقية في رمضان بالحرص على العبادات وكل الطاعات بإخلاص لله، مع العلم أن الإسلام لا يحرم إظهار الفرح الحسي بقدوم الشهر الفضيل بغير إسراف أو تفاخر، ولكن الأهم أن يحسن الصائم تزيين سريرته وقلبه، فهذه دعوة الأنبياء والصالحين في كل العصور الذين أدركوا أن الدنيا دار ممر، والآخرة هي دار المستقر الباقي، فقال الله تعالى:” يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”
أوضح د. الغياتي أهمية تدبر القرآن بصفائية عند قراءته مع أهمية كثرة القراءة وختم القرآن في رمضان وطوال العام، لقول الله تعالى:” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” وقوله:” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا” ويجب أن لا تشغلنا أمور الدنيا عن الحكمة من الصيام الذي يعد الاجتهاد فيه بالطاعات والعمل الخيري فيه أفضل وسيلة للسعادة الحقيقية التي ترضي الله ورسوله وتفيد عباد الله القائل:” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”.
وأنهى د. الغياتي كلامه مؤكدا أن السعادة القلبية المعنوية الدائمة أفضل كثيرا من السعادة الحسية التي تنتهي بانتهاء أسبابها لأن السعادة الحقيقية أن تكون طائعا لربك، ومفيدا لخلقه فتعين المستصعفين ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فديننا يدعونا إلى مكارم الأخلاق بكل أنواعها ما ظهر منها وما بطن، ومن عظمة الإسلام أنه جعل الإحسان الخفي بإخلاص أفضل من الرياء والمباهاة في العمل الصالح، حتى جعل الكلمة الطيبة للسائل أفضل من التصدق عليه واهانته، فمكارم الأخلاق والسعادة وجهان لعملة واحدة وتلعب الأسرة – وخاصة الأم- دورا كبيرا في غرسها في النفوس منذ الصغر، وصدق أمير الشعراء حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه… فقوم النفس بالأخلاق تستقم
إذا أصيب القوم في أخلاقهم… فأقم عليهم مأتما وعويلا