ضيفاً عزيزاً وزائراً كريماً هو شهر رمضان المبارك.. حل وحلت معه نفحات كبرى، طوبى لمن تعرض لها، الرحمة في أوله، والمغفرة فى أوسطه، والعتق من النيران فى آخره.. كما وعدنا وبشرنا بذلك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وها هى أيام الضيف الكريم تجرى بيننا مسرعة، وقد حمل أوارقه إيذاناً بالرحيل مسرعاً.
وشهر رمضان هو مناسبة كبرى للطاعات فهو ثلاثون يوماً وليلة، وبحساب الزمن هو جزء من إثنى عشر جزءاً من العام.. لكنه بحساب الأجر والثواب من الله تعالى والعمل هو طويل عظيم ليس فقط بالصيام والقيام ولكن بالعمل والانتاج والكلمة الطيبة، والأسوة الحسنة والإصلاح بين الناس وإشاعة روح التكافل والتعاون وتثبيت مفهوم العدالة الاجتماعية، والتعاون على البر والتقوى وهى كلها مفاتيح للأجر والثواب والطريق إلى وعد الله الحق بالجنة التى وعد بها عز وجل المتقين من عباده.
وإذا كانت أيام شهر رمضان المبارك فرصة لسباق الخير حتى يكون كما وصفه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران، فإن ختامه يجب أن يكون فرصة عظيمة لمراقبة النفس.. فعلى كل إنسان مؤمن حقاً أن يسائل نفسه إذا كان قد حقق شيئاً من القيم النبيلة التى أشرنا إليها أو استطاع الامساك بمفتاح من مفاتيح الأجر والثواب فإن كان قد فعل فعليه الاستزادة لأن الأيام كلها أيام الله سبحانه وتعالى، وأبواب الخير مفتوحة دائماً بغير حساب وبغير حجاب.. وإن كان الإنسان قد فاته أن يغتنم الفرصة وينل مكافأة الصائمين صياماً حقيقياً وقد أخذ من رمضان مجردد قشور، وحوله إلى احتفالات مظهرية وإلى موائد باذخة، فقد أضاع جانباً كبيراً من الأجر والثواب، وقد يذهب بأجر الصيام كله، وهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه «رغم أنفه».. من أدركه رمضان ولم يغفر له أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يحاول التعويض، فالمرء فى الدنيا فى امتحان دائم ولديه فرصة للاستزادة والاعادة.. ولعل الأيام القليلة المقبلة تكون فرصة سانحة وربما أخيرة لمن فاته أن ينعم بنفحات شهر رمضان المبارك.. ففى هذه الأيام المتبقية من الشهر الكريم ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، وفى هذه الأيام الاعتكاف والتهجد، وهى أيام إخراج الزكاة التى لا تزكى وتطهر الأنفس والأموال وتشيع روح التضامن بين المسلمين وتمسح على رؤوس الأيتام وتطيب خاطر الفقراء وتحقق بهجة العيد.. ولعلنا جميعاً نبادر ونعمل على تدارك ما فاتنا فيما مضى من أيام الشهر الكريم.
****
وختاماً:
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: كل عمل بن أدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: أنى أمرو صائم والذى نفسى محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح وإذا لقى ربه فرح بصومه» رواه البخارى ومسلم