تقرير: منى الصاوى
في حارة ضيقة بـ“إمبابة”، تلك المنطقة الشعبية القديمة التي أصبحت مع الوقت موطنًا لأناس مغمورين بالفقر والحاجة، ولكنها أيضًا كانت مكانًا للأمل والإيمان.
كانت عزيزة عبدالعليم، امرأة في الخمسينيات من عمرها، تحمل عبء الحياة بكل صبر وإيمان، ومع كل غروب شمس كانت تجلس أمام بيتها البسيط، تحلم بأن تجعل هذا العالم دون جوعى ومشردين ومحتاجين، بعدما استمعت إلى صوت نداءٍ خافت من بعض الأطفال الجائعين، فتحت باب بيتها وقدمت لهم بعض الطعام من مطبخ بيتها وسدت جوعهم، وفي تلك اللحظة أحسّت عزيزة بدفءٍ في قلبها يشعرها بالراحة والسكينة، حسبما أكدت خلال حوارها لـ”عقيدتي”.
وجبات يومية
بدأت “عزيزة” في إعداد الوجبات اليومية للمحتاجين في بيتها، ومع مرور الأيام لمعت كنجمة براقة في سماء الخير والعطاء، ولكن العمل الجليل الذي قامت به لم يكن كافيًا بالنسبة لطموحها الخيري والإنساني، بل بدأت تسعى لتحقيق مشروع خيري أكبر يمتد ليصبح مأوى للفقراء والمحتاجين على مدار العام.
مائدة الرحمن
منذ ذلك الحين، لم تكن مائدة الرحمن التي تديرها الحاجة عزيزة تغيب يومًا عن الفقراء، ولم تتوقف يداها عن تقديم العون لهذه الفئة تحديدًا، ومع مرور الزمن، توسّعت مائدة الرحمن لتشمل خدمات أخرى، بفضل تعاون أهل الخير والكرم في المنطقة، حيث بدأت “عزيزة” في تقديم العون للعرائس اليتيمات وتقديم المساعدة الطبية للمرضى.
تعاون وتضامن
وفي ظل هذا التعاون والتضامن الحقيقي، تلقت “عزيزة” دعمًا كبيرًا ومساعدةً لا تنضب من أفراد المجتمع، فأصبحت مشاريعها الخيرية تشكل شعلة من الأمل في قلوب المحتاجين والفقراء.
مضت السنوات وتطورت المائدة، حتى أصبحت جزءًا من جمعية خيرية كبيرة تحمل اسم “أحباب الكريم”، لتضاعف من حجم عطائها وتعمق أثرها في حياة الفقراء إيمانًا منها بأن العطاء يجلب السعادة للنفوس ويرسم الابتسامة على وجوه المحتاجين.
التفاؤل والأمل
تقدم مائدة الرحمن أكثر من 1500 وجبة يوميًا، فمنذ أكثر من 35 عاما، تواظب “عزيزة” على إعداد الطعام وتشرف على طهيه بنفسها دون كلل أو ملل.
وتتجلى كلماتها المفعمة بالتفاؤل والأمل، حينما تؤكد على استمرارية هذا العمل التطوعي النبيل، معبرة عن إصرارها أن مائدة الرحمن ستظل متاحة طوال العام، لتكون نقطة الأمل والدعم لكل من يحتاج إليها.
إرادة قوية
عزيزة، بعزمها وإرادتها القوية، بدأت رحلتها الإنسانية بتوزيع الوجبات على السائرين في الشوارع، وكانت سيارتها الصغيرة ملاذها الوحيد في هذا العمل، ومع مرور الأيام وتصاعد الخدمات التي تقدمها، أدركت أنها بحاجة إلى مكان أكبر لتوفير الخدمة بشكل أفضل.
في ذلك الوقت دعمها رئيس الحي بمنطقة إمبابة، وحرر لها الترخيص اللازم لاستخدام الموقع التي تقبع به كمركز لتوزيع الوجبات.
غذاء صحي
تحكي “عزيزة”، عن رؤيتها في تقديم الوجبات للفقراء والمحتاجين طوال العام من خلال مائدة الرحمن، تضيف أن المائدة تتميز بتقديم مجموعة متنوعة من الوجبات اليومية بما في ذلك اللحوم والدواجن والأرز والمكرونة والخضروات المطبوخة، بهدف تلبية احتياجات الفقراء والمحتاجين وتوفير لهم الغذاء الصحي المتوازن.
مسيرة العطاء لا تنتهي
تعتبر مبادرة “عزيزة” في تأسيس مطبخ الخير وتقديم الدعم الغذائي للمحتاجين مثالًا حيًا على الروح الإنسانية النبيلة والعطاء المستمر، إذ يعبر هذا العمل الخيري عن التزام قوي بخدمة المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويشكل دليلاً واضحًا على قوة التضامن والتكافل الاجتماعي في مجتمعنا.
قصة إنسانية
تأتي مبادرة مطبخ الخير التي تديرها “عزيزة” كنموذج يُحتذى به في مجال خدمة المحتاجين، وتعكس القيم الإنسانية النبيلة وروح العطاء التي تحتاجها المجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة والسلام الاجتماعي.