بقلم: د. وفاء عبدالسلام
حثَّ الإسلام على العمل والسعي لكسب الرزق، لكي يكون المسلم في مجتمعه منتجاً فاعلاً، يساهم في توفير حياة كريمة له ولأهله، ويساهم في قوة المجتمع الإسلامي وازدهاره، وقد أُشير إلى أهمية العمل ومكانته في القرآن الكريم في العديد من المواضع، ومدح المصطفى- صلى الله عليه وسلم- اليد المنتجة العاملة، ودعا إلى أن يكون المسلم منتجاً في كثير من النصوص، وكان ذلك واضحاً جليّاً في سيرته، فقال: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).
فالدين الإسلامي يدعو إلى العمل والانطلاق، وعدم الفتور والكسل، كما يدعو المسلم أن يستشعر مُراقبة الله تعالى في كل خطوة يخطوها في عمله، وأن يُؤدّي العمل الذي بين يديه على أتمّ وجه وأحسن حال، وهذه العبادة يُؤجَر عليها المسلم إنْ قام بها وأدّاها بحقّها، وأخلص في عمله بكل ما آتاه الله من قوّة وعزيمة صادقة.
فإتقان العمل من الأمور التي حثّ الدينُ الإسلاميّ عليه، وأُمِرَ العامل بأن يتحرّى الدقّة والإتقان في عمله، ومن لم يقم بعمله على الوجه الذي طلبه صاحب العمل اعتبره الدين غاشاً في عمله، ولم يستحق الأجر المدفوع له، قال رسول الله: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ).
بل إتقان العملِ في الإسلام فريضة على المسلمِ، قال النبيُّ- عليه الصّلاة والسّلام-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ). فالإنسانُ خُلق وكُلِّفَ بعبادةِ اللهِ عزّ وجل على أكمل وجه، وهو أيضاً مُكلّفٌ بواجباتٍ عديدةٍ ومُختلفة يُؤدّيها بأمانةٍ وإخلاصٍ تجاهَ أسرته ومُجتمعهِ والمكان الذي يعيشُ فيهِ، فالإنسانُ ما خلقهُ اللهُ إلا ليعملَ ويعمِّرَ الأرضَ، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، فلا يكفي من الإنسانِ ولا يرضى منه عزّ وجلّ عبادته فقط، بل وجب عليهِ العملُ بجدٍ واجتهاد وهمّةٍ عاليةٍ، وعليه إتقان ما قدّمه من عمل لينال التوفيق والنّجاح في الدنيا، والأجرَ والثوابَ في الآخرة من اللهِ سبحانهُ وتعالى، قال رسول الله: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، وقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؛ وفي الآية دليل واضح للحث على إتقان العمل، وأنّ الله سبحانه سيُخبر كلّ فرد يوم القيامة بالعمل الذي قام به، ومقدار ما ناله من أجر وثواب على عمله.
قال رسول اللهِ: (إن الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ)؛ فقيام المسلم بالعملِ على أتمِّ وجهٍ تكون عبادةً تُضاعِفُ الأجرَ.
وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فقال: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، فإن كان الإتقان حتى في ذبح الحيوانات فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
ولا ننسى قول رسول الله: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، وما في هذا الحديث من دلالة على أنّ إتقان العمل واجبٌ شرعيّ على كل مُوظفٍ وعامل مهما كانت وظيفتهُ؛ فالحاكمُ أو المسؤول عليهِ إتقانُ عملهِ، والأب في أسرته مسؤولٌ عن بيتهِ ورعاية أبنائه رعايةً سليمةً، وكذا الزوجةُ راعيةٌ في مالِ زوجها، وعليها المُحافظة على الأمانةِ التي كُلّفت بحملها، وإتقانُ العملِ في تربية أبنائها تربيةً سليمةً.
وعليه فإتقان العمل ضروري لتحقيق نجاح المُجتمع بأسره، وتعزيز لقوّته في مُواجهة أعداء الوطن، والمُتقن لعمله يكتسب مَحبّة الآخرين من حوله، ويرتقي بمُستواه الإجتماعيّ ومستواه الفكريّ، فهو دائما نشيط يسعى للتطوّر والارتقاء في العمل.
فهو فاضل محسن راسخ شامخ، يشع ضياء الحق علي قلبه، ويمتد نور الهدى إلي فكره، ويقوم بفضائل لا ترقى إليها شبهة، ولا يبتعد مهما حدث عن الصراط المستقيم، ولا يشرد عن الحقائق التي لابد من التزامها، وعمله الصادق المخلص الذي لا هوى معه محاط بالتقوى، مؤيد بالحق، حريص على حقوق الله وحقوق الناس، حارس لشتي الأعمال من دواعي التفريط والتقصير والإهمال، معتصم بالفضيلة، ووضع كل شئ في مكانه الجدير به واللائق له، وهو يعرف ربه ويذكر حقه كما يعرف أنه سوف يُسأل يوم القيامة عن عمله، قالَ رسولُ الله: “لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ، عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ“.
ولاشك في أن وطننا الحبيب يطالب الجميع بالإتقان حتي ينهض، ويحقق آماله، وتريد مصرنا الحبيبة من كلٍّ منَّا أن يزكِّي قلبه بالإخلاص، وينقّيه بالإحسان، ويعلم أنه لن تعلو مرتبته إلا بحُسن العمل وجودة الإنتاج، وسلامة الصنع ونبل المقصد.
اللهم احفظ مصرنا وأهلها واجعلها في أمانك وضمانك وإحسانك، واجعلنا ممن يعمل بإخلاص لرفعة شأنها.
تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.