بقلم: د. إلهام شاهين
الإمام الأكبر هو أعلى مرجعية إسلامية على مستوى العالم كله، وإلى أقواله وآرائه ترجع معظم الدول الإسلامية السنية، وعندما يتناول قضية أو مسألة دينية تتلقفها بالاهتمام والنشر لما تحمله من علم ورؤية عقلية تناسب العصر، وقد تناول فضيلته مسألة فرضية الحجاب والنقاب فذكر أنه عند إثارة تلك المسألة بين المؤيدين والمعارضين فإنه في أغلب الأحيان- تتحول المسألة إلى معركة- ولذا فرّق فضيلته بين النقاب والحجاب، وبيَّن أن الحجاب والذي يقصد به غطاء الشعر والصدر, كلمة مستحدثة ولم تطلق في القرآن ولا السنة ولا اللغة لغطاء الرأس ولكن استعملها الناس واصطلحوا على ذلك فيكون استعمالها لما يفهم منها لا بأس به ولا مشاحة في الألفاظ, أما غطاء الرأس فإنه يسمى بالخمار في القرآن الكريم، والخمار في اللغة يعني كل ما يغطى الشئ، وتطلق الكلمة بصفة خاصة على غطاء الرأس للرجل والمرأة على السواء، فعمامة الرجل تسمى الخمار أيضا، ومن ذلك ما ورد في الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- “كان يمسحُ على الخُفّ والخِمَار” أى العمامة.
وغطاء الرأس للمرأة ورد الأمر به في القرآن الكريم واضحا بلام الأمر والجزم قال تعالى: “وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” النور 31، فإذا سمي غطاء الرأس للمرأة بالحجاب أو الخمار فجائز والمهم هو الالتزام به لوجوبه.
والحجاب بهذا المعني حكمه الوجوب لأن الله تعالى أمر به نساء المسلمين في القرآن الكريم, والتي لا ترتديه عاصية لأمر الله, ولكن لا يجوز الحكم على من لا ترتدي الحجاب بأنها خارجة على الإسلام.
وعلَّمني الإمام أن التزام المؤمن بخُلُق الإسلام لابد أن يسير على التوازي مع التزامه بالمظهر الإسلامي, وأن حُسن الخُلق والالتزام بأخلاق النبي في حُسن المعاملة مع الناس يعدل ويفوق كثيرا من العبادات البدنية, وأحسن الناس خُلُقا هو أقربهم من النبي مجلسا يوم القيامة, فالمرأة التي تتمسك بالمظهر الإسلامي من الحجاب يجب عليها أن تلتزم بالخُلُق الإسلامي قبله وبعده حتى لا تعطى نموذجا ومثلا سيئا للمرأة المسلمة.
كما ذكر فضيلة الإمام أن ارتداء الحجاب وصيام النهار وقيام الليل لن يدخلان المرأة الجنة إذا كانت سيئة الخُلُق مع الناس، وأن أداء الفرائض مع حُسن الخُلق يفتحان للمرأة أبواب الجنة، هذا ما قاله رسولنا الكريم عندما سئل عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال: “هي في النار”، أما عندما سئل عن امرأة تؤدي فقط ما فرض الله عليها ولا تزيد إلا أنها تتصدق بما يتبقى منها من طعام، فقال: “هي في الجنة”.
أما عن المعنى الصحيح لكلمة الحجاب فإن معناها في القرآن الساتر، وهو الذي أمر به الله بخصوص الحديث مع نساء النبي والوارد في قوله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..” الأحزاب 53، والحجاب هنا بمعنى الساتر وتختص به نساء النبي كما تختص زوجاته في نفس الآية بأنها لا تحل بالزواج لأحد من المؤمنين من بعده.
كما بيَّن فضيلة الإمام أن هذا نفس ما يؤدي إليه النقاب وهو بالنسبة لنساء المؤمنين ليس فرضا ولا مكروها ولا مندوبا بل هو أمر مباح وذلك لأن الفرض يستوجب أن يكون له أمر وعلى تركه عقوبة رادعة، وهذا لم يحدث فى النقاب بورود أمر لنساء المؤمنين وعقوبة على تركه،
وليس سنة لأن السنة تقتضى أمراً على وجه الاستحباب والتأسي بالنبي, وعليها أجر لفاعلها ولمن لا يفعلها ليس له أجر وليس عليه عقوبة, وفي ذلك أيضا لم يرد شئ يدل على أنه من السنة ولا من المستحبات المندوب لفعلها, بل ورد الأمر بتركه فى الحج وعقوبة على من تفعله في الحج.
فيكون من الأمور المباحة التي تركها الشرع لظروف المرأة والمجتمع الذي تعيش فيه إن فعلته لا تثاب إلا بنية حسنة في ارتدائه وإن لم تفعله لا عقاب عليها، وهذا هو المباح، حيث لا يثاب فاعله إلا بنية حسنة, ولا يذم تاركه، فمن ترتدي النقاب لا يجب أن يقال إنها في جانب الإفراط ولا لمن لم ترتديه إنها في جانب التفريط.
وإذا كان هناك من يرى بأن تغطية الوجه والكفين للمرأة من أمور الشرع الواجب على المرأة أن تلتزم بها, إلا أن هذا الرأي لا يصمد أمام رأي الجمهور الذي يستدل بالآيات التي تبيح للمرأة الزينة الظاهرة والتي منها الكحل والخاتم وهما زينة الوجه والكفين والإجماع على أنهما ليسا من العورة التي يجب سترها، ومذهب الإمام أبو حنيفة في جواز كشف المرأة للوجه والكفين والقدمين واضح ومعروف بكتب الفقه ولا يجب السير وراء رأي يريد البعض فرضه على الناس والترويج له بإظهاره على أنه الحق ولا غيره من أن المرأة كلها عورة، وهو في الحقيقة رأى واحد في المذهب الحنبلي أورده (ابن قدامة في المغني) يخالف رأي كبار الفقهاء أمثال أبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي والمذهب الحنبلي نفسه, وحتى ابن حزم الظاهري الأكثر تشددا لا يتفق مع هذا الرأي، هكذا تحدث الإمام الأكبر عن النقاب والحجاب.