العمل الصالح والبرّ والأخلاق.. أساس بناء المجتمعات
أكد المستشار أمير رمزى- رئيس محكمة جنايات القاهرة– أن مصرنا محفوظة بـ”المحبّة” التى هى سرُّ تماسكنا وتميّزنا عن غيرنا من المجتمعات الإنسانية الأخرى.
أشار إلى أن العمل الصالح والبرّ والأخلاق هى العناصر التى تميّز شخصا عن الآخر، وليس الدين فقط، بل هى التى تدخله الجنة التى يتمناها من عدمه.
وفيما يلة نص الحوار الذى أُجرى معه، على هامش مائدة إفطار “الرابطة المصرية” التى أقامتها مشيخة الطريقة العزمية، بقيادة شيخها السيد علاء ماضى أبو العزائم.
*من حُسن الطالِع على مصر والمصريين، تزامن مناسبة صيام شهر رمضان والصيام الكبير عند المسيحيين، حيث تتلاقى الأعياد والمناسبات الدينية الكريمة، فما شعورك بهذا؟
** نحن دائما نجتمع على المحبّة والودّ، ويمكن أنا أكثر شخص فى الدنيا أحب شهر رمضان، لأن رمضان يأتى بخيره على الناس كلّها، المسلم والمسيحى، المصرى وغيره، فالفكرة كلها أن أشهر الصيام لا تعمّ فيها الفرحة فقط بل الخير أيضا، فهناك أُناس كثيرون تنتظر هذه الأشهر لأنها تكون مصدر فرح وفرج عليهم، فى الأكل والملبس والفرح، والأجمل عندما تتلاقى هذه المناسبات الدينية، كالصيام والأعياد، فتكون ميزة كبيرة جدا.
لكن الحقيقى، أنا لا أفكّر هكذا، وإنما فكرى أننا جميعا نعيش على أرض واحدة، المسلم بجانب المسيحى، نكون جميعا فى كتف بعض.
هل تعرف أنه عندما يصنِّف الإنسان نفسه وغيره، مسلم أو مسيحى! أشعر هنا بالتفرقة، لكن عندما ننظر لبعضنا على أننا “إنسان”، حتى مع الاختلاف فى الجنسيات والنوعيات- ذكر وأنثى- حتى من لا يعبد الله، فنحن فى النهاية “بنى آدم”، نحب بعض فى الإنسانية فى الله.
المحبّة الإلهية
• وماذا تقول لمن يريد التفرقة فيما بين الناس على أسس مختلفة ومتنوّعة، دينية وطائفية أو جنسية أو أى اختلافات؟ خاصة فى مصر التى لا تعرف التفرقة فيما بين أبنائها منذ فجر التاريخ؟
** أهم شئ المحبّة الإلهية تقول (أحبَّ الله من كل قلبك، ومن كل فكر، ومن كل قُدرتك، وحِبَّ قريبك كنفسك) ولما سألوا السيد المسيح: مَنْ قريبك الذى تحبّه كنفسك؟ قال: قريبى هذا هو الإنسان.
أيًّا كان الإنسان هذا، وقدّم مثلا على هذا بالسامرى الصالح، وهى قصّة شخص قابل آخر كان عدوًّا له، وجده مُصابا على الأرض فساعده وحمله على دابّته وطبَّبه! فى حين أنه كان عدوًّا له: فى الجنس لأنه من السامرة، وفيما بينهم عداوة وبين اليهود، فالله علّمنا كيف نحب بعض كـ”بنى آدم”، فلا يوجد هناك حب لإنسان لأنه من نفس دينى، فقد يقتلنى هذا! وغيره المخالِف لدينى يعطف علىّ ويحبّنى ويسترنى!
فالقصّة كلها: الحب فى الله، حب الناس والعمل الخيرى حبًّا فى الله.
فلو أن كل شخص لم يساعد غيره إلا إذا كان من نفس دينه، افتقدنا حبّنا للناس حبًّا فى الله، بل صار حبّنا لهم حبًّا فى الدين فقط!
فى حين أن الوصية الحقيقية للدين هى تنفيذ المحبّة الإلهية حبًّا وخدمة للإنسان بوصفه “إنسان”.
لذا، نتمنى أن يكون فكرنا “نُمجِّد ربنا” على الأرض، بصناعة العمل الصالح، أبنى أعمر، أساعد الناس وأخدمهم، فأعظم الناس هو خادمهم، ودائما الأديان توصى بالخدمة الإنسانية.
لذلك نحن دائما نوصى بهذا، بل إننى أحبّ وأنتظر هذا الإفطار الجماعى عند السيد أبو العزائم الذى أعرفه جيدا، بل هناك أسرار لا يعرفها الكثيرون عنه، ومنها: أنه من وقت لآخر يتّصل بى ويطلب لقائى، ويقدّم لى تبرّعا للكنائس! ويقسِّمه لى: الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية وهكذا! لأنه يفكّر بفكر نقى.
ونفس الشئ يحدث معى، فأنا مسئول عن مؤسسة خيرية، وعندما تُعْرض على حالة تحتاج مساعدة لا أسعى لمعرفة ديانتها أو جنسها أو من أىّ المحافظات؟ المهم إنه إنسان.
ومصر عُمْرها ما “تِعْمَر وتكبر” إلا بالمعونة الحقيقية فيما بين الناس، بعضها لبعض، من غير تفرقة بين جنس ولون وعقيدة، هذه هى المحبّة الحقيقية التى ندعمها ونظل خلفها.
و”سليمان الحكيم” قال كلمة مهمّة جدا: البرُّ يرفع من شأن الأمّة. فالعمل الصالح إذا التزمنا به مصر كلها تتغيّر للأفضل، وشأنها يرتفع فى عيون الناس كلها على مستوى العالم كله.
الدور الشعبى
*فما دورنا نحن كشعب فى دعم مثل هذه الأعمال الخيرية، وأيضا الإنجازات التى تتحقّق على أرض مصر قاطبة؟
**من أهم الأشياء التى اعتنى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، العمل الخيرى، بصورة كبيرة جدا، ويدعم الشباب والمرأة والأطفال، بل أيضا ذوى الهمم، وتذليل الفوارق بين الطوائف، فلا يوجد مسيحى درجة ثانية والمسلم درجة أولى، فهو يرسّخ المواطنة الحقيقية، وهذه الأمور مهمة جدا، فهو رئيس صاحب أخلاق وجاء لترسيخها وتدعيمها، قد تكون هناك بعض الشكاوى من صعوبة الاقتصاد وضيق الحال- وهذه نتمنّى إصلاحها على يد الرئيس- لكن العمل الإنسانى والخيرى نما وكبر بشكل كبير جدا، وحدث له طفرة كبيرة، إذا شاهدنا القوافل المختلفة والمتنوّعة، إنسانيا وطبيا وغذائيا وإغاثة، بصورة عظيمة، والعلاج على نفقة الدولة بعد وجود مشاكل كبيرة، فالأمور الإنسانية تعاظمت جدا.
مجازر غزة!
*كيف نقارن هذا بما يحدث من مجازر إنسانية ترتكب يوميا فى غزة؟
** الأحداث فى غزّة لسنا مسئولين عنها ولم نصنعها، ولا نستطيع المحاربة نيابة عنهم، فلدينا أمننا القومى وسيادتنا على أرضنا، والاستقرار، واحترام المعاهدات الدولية.
ولكننا نكون صوتا لهم على مستوى العالم، نرفع الضغط من عليهم، بجانب الإغاثة الإنسانية، فلا توجد دولة أغاثت أهل غزة مثل مصر، فالمعونات الإنسانية أكثر من 80% مصرية من التحالف الوطنى، نتمنّى أن نكون سببا فى وقف إطلاق النار وإعادة الاستقرار والإعمار، وتحقيق الأمان لإخوتنا الفلسطينيين.
رجل واحد
*كلمة أخيرة تريد توجيهها للمصريين فى مثل هذه الظروف؟
** نحن جميعا واحد، ولو هناك اختلاف فهو فى شئ واحد فقط، مَنْ هو صاحب الأخلاق ومن ليس لديه أخلاق، فالأخلاق التى تجمعنا وهى المصدر الحقيقى لتوصيلنا إلى الجنّة، فلو كنتُ متصوّرا أننى سأدخل الجنّة لأنى مسلم أو مسيحى، فلن أصل للجنّة التى نتمنّاها جميعا فى الآخرة، بسبب ديانتى فقط، وإنما بالعمل الصالح والبرّ، والوقوف بجانب أخى الإنسان، فإذا فكّرنا بهذا الأسلوب نكون متحدّثين بلغة واحدة. لغة الحب والمواطنة والإنسانية، وهى اللغة التى يجب أن نجتمع عليها ونخدم بها ونصنع البرّ والعمل الصالح ونبنى بلدنا ومجتمعنا، ونقف بجانب الضعيف ونستر المسكين. فهذه هى اللغة التى ترفع من شأننا وبلادنا مصر الحبيبة، وتجعلنا نحب ونخدم بعض.
وهذا ما أتمنى أن نلتقى عليه، ولذا أؤكد أن الطُرق الصوفية هى أكثر أُناس تنمّى وتغذِّى هذا الفكر فى المجتمع.
بل إن كل المؤسسات الدينية تدعم هذا المنهج طالما انها معتدلة، أمّا لو أنها متطرّفة فلا تعقيب!
فالشخص المعتدل هو الذى تحكمه أفعاله وليس أقواله فقط، وتصفنى، فالحقيقة هى بالموضوع وليس الشكل والمظهر.