بقلم: كواعب أحمد البراهمي
قال الله سبحانه وتعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم 41).
كلنا فاسدون ولا أستثني أحدا- تلك الجملة التي قالها الفنان أحمد ذكي في فيلم ضد الحكومة- لا أعرف ماذا كان يقصد بها الكاتب وجيه أبو ذكري والمخرج عاطف الطيب. ولكن من منظوري الشخصي وعند التمعن في تلك الجملة أجد أنها تعني كثيرا, وتعبر عن الكثير من حالنا، وإن كان كل منا يرى نفسه أفضل من الآخرين، بل دائما ينتقد الآخرين!
صحيح يوجد الكثير منا يحاول أن يكون بعيدا عن الفساد, وأقصد الفساد بمعناه الأشمل، لأننا دائما نطلق كلمة الفساد علي المنظومات الحكومية, وذلك عندما يتفشي فيها الإهمال أو الرشاوي, أو الواسطة أو السرقات، ودائما يذهب ذهننا إلي فساد المسئولين في الحكومة دون غيره!
ولكن هل بالتدبر قليلا فيما نفعل في حياتنا ألا يدل ذلك علي أننا فاسدون؟ ألا يكون فاسدا بائع الفاكهة والخضروات الذي يضع سعرا معينا علي تجارته لجذب الزبائن, ثم عندما تذهب إليه يشير لك أنه يقصد النوع الردئ! وحتي لو اشتريت بالسعر الأغلي، ألا يضع لك بعض الفاكهة المعطوبة أو الخضروات غير الصالحة؟!
وهل الأستاذ الجامعي الذي يعيِّن ابنه فى الجامعة متخطّيا الآخر والذي يتفوق علي ابنه أليس ذلك فسادا؟!
أليس المدرس الذي يبذل كل طاقته في الدرس الخاص, ولا يبذل ربع ذلك في حصص المدرسة فاسدا؟!
أليس الذي يبحث لابنه عن واسطة من أجل أن يحصل علي وظيفة ويدفع مقابل ذلك مالا، فاسدا؟!
والأم التي تشجّع ابنتها علي وضع كل أدوات الزينة من الأجل الحصول علي عريس وتفعل كل ما في وسعها من أجل ذلك!
وبائع الحليب الذي يضيف له الماء ليزداد أو يضيف له مادة الفورمالين من أجل البقاء مدة أطول!
والأب الذي يجعل ابنه فوق رؤوس الناس ويعلِّمه التكبّر علي الغير!
والزوجة التي تحتفظ بجزء من مال زوجها دون أن يدري, أو التي تحرِّض زوجها علي أهله، والزوج الذي لا يراعي حق الله في تعامله مع زوجته, أو يبخل عليها بينما يبذِّر علي الآخرين!
والقاضي الذي يلحق ابنه بالقضاء, وكذلك الدبلوماسي الذي يلحق ابنه بالسلك السياسي، أو المحامي الذي يعلم جيدا أن موكِّله ارتكب الجُرم ويدافع عنه بكل قوة من أجل تبرئة ساحته! والتلميذ الذي يخدع أبويه بأنه يسير علي الطريق المستقيم ويصلِّي أمامهما وفي غيبتهما يفعل كل الموبقات! والشاب الذي يوعد أكثر من فتاة بالزواج أو يتعامل وكأنه يكن لها كل الحب رغم أنه يعلم جيدا أنه كاذب ولن يوفي معها!
وكذلك الفتاة التي تتصنَّع المشاعر مع كل من تقترب منه, وعندما يتقدم لها الأفضل والمناسب تترك هذا الشخص من أجل حياة أفضل وزوج مضمون! والمهندس الذي لا يهتم حتي بمتابعة العاملين معه ويترك موقع العمل فينهار ما تم تشييده علي ساكنيه، أو الذي لا يقوم بواجبه في عمله!
والطبيب الذي يرسل المريض من أجل عمل أشعة أو تحاليل لا لزوم لها من أجل أن له حصة في تلك المبالغ التي سيتم تحصيلها في المعمل! وكذلك طبيب المستشفي الذي يترك دوره أو “النوبتشية” من أجل عيادته الخاصة!
أو الموظف الذي لا يريد أن يقوم بعمله ويتعامل مع المواطن وكأنه جاء من أجل أن “يشحت” منه! أو الذي يترك عمله ويذهب لمحله الخاص أو يعمل سائق تاكسي, ويأخذ راتبا من الدولة دون أن يفعل شيئا! أو الذي يستغل سلطته الوظيفية فيأخذ طعاما ولا يدفع ثمنه, أو يحصل علي ما يريد بالتهديد!
أو الفتيات اللاتي تخرجن من بيوت أهلهن وتخبرهم أنها ذاهبة للتسوق أو زيارة الصديقات وهي تذهب للتنزّه ومقابلة شخص لا تربطها به صِلة وغريب عنها! أو الجار الذي يسيئ إلي جاره! أو الأخ الذي يحرم أخته من الميراث أو الأب الذي يحرم ابنته من ميراث أمها!
أو الذين يجلسون معا في مجال عمل أو ناد ويتحدثون ويضحكون, وعندما يغادر أحدهم لا يمنعهم دين ولا حياء عن الحديث عنه والإساءة له والتندر عليه! أو الصديق الذي يجلس مع صديقه فيبوح له بمكنون نفسه وما يشغله فينشر أسراره! أو الضعيف الذي يلتزم بأوامر مديره وبكل حرف ويظهر له الود والحب وهو يتمني من داخله لو أنه أصبح تحت الأرض!
أو المسئول في موقع ولا يكون علي قدر المسئولية فيهدر المال العام, أو يكون في وظيفة كبري ولا يتورَّع أن يتقاسم مع المقاولين الذين يُعهد إليهم بعمليات بناء أو غيرها! أو الشخص المنوط به العناية بكبار السن أو الأطفال ويؤذيهم أو لا يهتم لأمرهم لأن أحدا لا يراه! أو من يقوم باختيار شخص لموقع مسئولية وهو يعلم جيدا ضعفه وعدم مقدرته علي القيام بالمهام الموكلة إليه!
فهل لو جلس كل شخص مع نفسه ساعة واحدة فقط ويتخيل أنه سيقابل الله بعد هذه الساعة- ولا أستثني نفسي- فهل نحن مستعدون لتلك المقابلة؟
أم أن مظاهر الحياة أخذتنا حتي من أنفسنا فنسينا لماذا الله خلقنا؟!
فالحقيقة الوحيدة الموجودة حاليا هي غياب الضمير أو نومه, إن ربي غفور رحيم, وهو أيضا عادل لا يضيع حقوق الآخرين.