توترات بين الهند وباكستان حول هوية الإقليم
طارق عبدالله
بعد سكون تعدى سنوات، عادت من جديد حالة الاستنفار والصراع بين الهند والباكتسان على اقليم “كشمير” ذو الأغلبية المسلمة المتنازع عليها بين هاتين الدولتين، حيث استهدف مؤخرا الجنود الهنود والباكستانيون من جديد مواقع وقرى بعضهم البعض بطول خط الحدود المضطرب في إقليم كشمير المتنازع عليه، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وإصابة ستة آخرين يوم السبت الماضي.
تصاعدت التوترات منذ أن دخلت طائرات هندية الأجواء الجوية الباكستانية، يوم الثلاثاء الماضي، ونفذت ما وصفتها الهند بضربة وقائية ضد المسلحين الذين ألقي باللوم عليهم في تفجير انتحاري في الرابع عشر من فبراير في الشطر الهندي من كشمير، أسفر عن مقتل 40 جندياً هندياً، ردت باكستان بإسقاط طائرة هندية مقاتلة واعتقلت طيارها، الذي عاد إلى الهند يوم الجمعة الماضي في بادرة سلام.
وقال مسؤولون: إن القصف على جانبي خط المراقبة الذي يفصل بين الجزء الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير والجزء الواقع تحت سيطرة باكستان استمر لبضع ساعات بعد إطلاق سراح الطيار، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص لكنه توقف ليلا.
وسوقت باكستان إطلاق سراح الطيار الأسير على أنه “بادرة على حسن النية، بهدف خفض التوتر المتصاعد مع الهند” والمستمر منذ أسابيع، ما هدد بنشوب حرب بين البلدين اللذين تبادلا شن الضربات الجوية قبل أيام.
واتهمت الهند باكستان بتوفير ملاذ لجماعة جيش محمد، التي كانت وراء هذا الهجوم، وهو ما نفته باكستان، وتوعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي برد قوي.
خلاف مستمر
كانت كشمير دائماً موضع خلاف بين كل من باكستان والهند حتى قبل الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، حيث يعتبر إقليم جامو وكشمير من الناحية السياسية منطقة متنازعا عليها بتعريف القانون الدولي، وقد قامت الهند بضم الإقليم لها في 27 أكتوبر 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير، قد تضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 الصادر في عام 1948 النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.
بداية النزاع
بدأ النزاع عندما أصدر البرلمان البريطاني في 17 يوليو 1947 قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني لها، وتم تنفيذ القرار في 15 أغسطس من العام نفسه، وأوعزت بريطانيا بعد انسحابها إلى تلك الإمارات التي كانت تحكمها في الهند بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان وفقا لرغبة سكانها مع الأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الجغرافية في كل إمارة، وتكونت تبعا لذلك دولتا الهند وباكستان، غير أن ثلاث إمارات لم تتخذ قرارا بهذا الشأن هي حيدر آباد وجوناغاد وكشمير، ثم قرر حاكم إمارة جوناغاد المسلم أن ينضم إلى باكستان رغم وجود أغلبية هندوسية في الإمارة، وأمام معارضة هذه الأغلبية لقرار الحاكم دخلت القوات الهندية وأجرت استفتاء انتهى بانضمامها إلى الهند، وحدث الشئ نفسه في ولاية حيدر أباد حيث أراد حاكمها المسلم أن يظل مستقلا بإمارته ولم تقره الأغلبية الهندوسية في الولاية على هذا الاتجاه فتدخلت القوات الهندية في 13 سبتمبر 1948 مما جعلها ترضخ للانضمام إلى الهند.
أما كشمير فقد كان وضعها مختلفا عن الإمارتين السابقتين، فقد قرر حاكمها الهندوسي هاري سينغ -بعد أن فشل في أن يظل مستقلا- الانضمام إلى الهند متجاهلا رغبة الأغلبية المسلمة بالانضمام إلى باكستان ومتجاهلا القواعد البريطانية السابقة في التقسيم. وقد قبلت الهند انضمام كشمير إليها في حين رفضت انضمام الإمارتين السابقتين إلى باكستان بناء على رأي الحاكمين بهما، وخاف من رد فعل الأغلبية المسلمة في إمارته فعرض معاهدتين على كل من الهند وباكستان لإبقاء الأوضاع كما كانت عليه وللمحافظة على الاتصالات والإمدادات، فقبلت باكستان بالمعاهدة في حين رفضتها الهند ومن ثم راحت الأمور تتطور سريعا باتجاه الحرب.
وبموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي، كان لدى كشمير الحرية في اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان. واختار وقتها حاكمها هاري سينغ، الهند، فاندلعت الحرب عام 1947 واستمرت مدة عامين.
حروب مستمرة
دخلت كشمير مرحلة الصراع بين الهند وباكستان، وبدأت حرب أخرى في عام 1965، في حين خاضت الهند صراعاً قصيراً، لكن مريراً مع قوات مدعومة من باكستان في عام 1999.
تطورت الأحداث بعد ذلك سريعاً، فاندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية عام 1947 أسفر عن احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارا في 13/8/1948 ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم. وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي 1000 كم) لباكستان، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (300 كم) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبرا على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.
ثم عاد التوتر بين الجانبين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتتابعت بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلَّح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في سبتمبر 1965 طول الحدود بينهما في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان واستمر الصراع العسكري 17 يوما لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.
تجدد القتال بين الجارتين مع مطلع السبعينيات إثر اتهامات باكستان للهند بدعم باكستان الشرقية (بنجلاديش) في محاولتها الانفصالية، وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض غيرت من التفكير الاستراتيجي العسكري الباكستاني وأدخل البلدين في دوامة من سباق التسلح كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أهم محطاته، وأسفر قتال 1971 عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنجلاديش.
ثم عاد التوتر إلى الأجواء بعد اتهام الهند لبعض الجماعات الكشميرية التي تتخذ من باكستان مقرا لها بالضلوع في الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في ديسمبر2001 والذي أدى إلى مقتل 13 شخصا منهم المهاجمون الستة، وطالبت بتفكيك بعض جماعات المقاومة الكشميرية التي تعتبرها الهند إرهابية خاصة جماعتي لشكر طيبة وجيش محمد، ثم تطورت الأحداث وحشدت الدولتان بعض وحداتهما العسكرية على الحدود.
المقاومة الكشميرية
وهنا يمكن تقسيم المقاومة الكشميرية إلى قسمين رئيسيين: مقاومة من داخل الأراضي الكشميرية ويغلب عليها الطابع السياسي ويمثلها مؤتمر عموم الأحزاب الكشميرية، ويضم أكثر من 13 فصيلا كشميريا يمثلون كافة الاتجاهات السياسية ويطالبون بالاستقلال، أما القسم الثاني فهو المقاومة التي تنطلق من خارج الحدود الكشميرية وخاصة من باكستان وهي موزعة بين عسكرية وسياسية ودينية وعلمانية وتتوزعها خريطة حزبية معقدة ومتشابكة كتشابك الأعراق والقوميات والمذاهب الفكرية في باكستان.