بقلم: عادل القليعي
(تحليل ونقد)
هي خطبة جمعة خطبها الشيخ الغزاوي الفلسطيني الحر الأبي ، الشيخ محمود الحسنات ، ربط الله على قلبه وثبته ورفع الإحباط واليأس من وعن قلبه وثبت فؤاده على طريق الحق المبين.
ما أنا صعد الشيخ المنبر إلا وقال كلماته المشهورة ، ماذا ستغني كلماتي ، وماذا ستفيد خطبتي ، إذا لم يكن أكثر من ثلاثين ألف شهيد ما بين طفل وصبي وإمرأه ورجل ما بين شاب وعجوز ، وأكثر من سبعين ألف جريح ممن أصابتهم آلة الغدر الغادرة الجبارة التي لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين كهل وصبي ، بين منزل ومحل ومشفى ، بين إنسان بسيط يسير مترجلا على قدميه في شوارع موطنه ، وصحافي يغطي الأحداث الجارية ، بين طبيب فى مشفاه يداوي ما اقترفته أيدي الغشم ويأتيه نبأ استشهاد أسرته إن أبناؤه أو والده أو إخوته.
نعم أكثر من سبعين ألف جريح ما بين عباد قائمون مصلون مبتهلون متضرعون لله رب العالمين فى مساجدهم ، وما بين نساك وعباد فى كنائسهم يرتلون أنشودة السلام ، المحبة والأخوة الصادقة فى الإنسانية وحسن الجوار.
ثم سمعناه يقول ماذا ستجدي كلماتي إذا لم تحرك هذه الأحداث الجسام أكثر من مليار وثمانمائة مليون مسلم فى العالم ، ثم سمعناه يقول أقم الصلاة.
الشيخ الجليل لابد أن تعلم جيدا ولتعلم علم اليقين أن مصابكم جلل والخطب جد عظيم وخطير ومصابكم مصابنا ، فليس ثم بيت من بيوت المسلمين فى العالم الإسلامي والعربي ، لا والله ، فليس ثم بيت فى العالم بأسره إلا بكي لبكائكم وتألم لألمكم وحزن لحزنكم ، اللهم إلا بيوت نزعت من قلوبها الرحمة وزلت وهوت ووقعت فى براثن وغباء المادة الحمقاء وانقادت خلف شهواتها ، هؤلاء لا يمثلون الأمة ولا ينتمون إلى الإنسانية ، فلتعلم ذلك جيدا هؤلاء مثلهم كمثل الذين استهوتهم الشياطين فشغلتهم بالدنيا عن الدين.
أما الأمة الحقة أمة محمد صل الله عليه وسلم ، أمة المعتصم وعمر وخالد وصلاح الدين وأمة الحسنات فستقف خلفكم وستؤازركم حتى ولو بالدعاء وهذا أضعف الأيمان بالنسبة للشعوب ، لكن لابد أن تعلم أن الدعاء سلاح فتاك يغير المصائر والاقدار.
أما تعلم أخي الحبيب أن رب رجل أشعث اغير لو أقسم على الله لأبره ، أما تعلم شيخنا أن هناك قوم تقضى حوائجهم قبل أن ترفع حواجبهم إلى السماء ، أما تعلم أن الله تعالى يقول وإذا سألك عبادي عني فإني قريب.
أما تعلم أن ما فيه أمتنا وما تمر به من تفتت وتشرزم وانقسامات وتطبيعات ، قد أخبر عنه رسولنا الكريم ، أليس هو من قال ستكونون غثاء كغثاء السيل ، عدد كثير لكن لا يسمن ولا يغني من جوع ، لكن هذا ابتلاء واختبار من الله تعالى ليميز الخبيث من الطيب ، امتحان شديد معادلاته صعبة جدا من سيستطيع أن يفك رموزها ، الثابتون على الحق المستذكرون جيدا ، الذين هم ظاهرون على الحق لا يضرهم من خذلهم ، أولئك الذين اصطفاهم الله تعالى لحمل الأمانة ، أمانة الدين وحفظ بيضته من أن تدهسها أقدام الشياطين ، أولئك المرابطون فى باحات أقصانا المبارك تاركين خلفهم الأهل والمال والزوج والولد ، افترشوا أرض الأقصي بأجسادهم مقدمين إياها قربات إلى الله تعالى فداء لمسجدنا المبارك.
الشيخ الجليل ، رفعت صوتك قائلا أقم للصلاة ، نعم أقم الصلاة ، وصلاتنا فلاحنا ، لكن هل بذلك حقا ستقيم الصلاة ، الجمعة جامعة والمسجد جامعة إسلامية والجماعة فيه والاجتماع عيد للمسلمين حتى من لا يصلى قد يأتي للصلاة يوم الجمعة ، الكل ينتظر يسمع الخطيب وهو ينصح مسترشدا بالقرآن والسنة مرققا القلوب مبسطا أمور الدين ، الكل آذان صاغية للاستماع إلى معلومة مفيدة ، الكل يجلس منصتا لكلمات تشحذ الهمم وتشد وتقوي العزيمة.
لم يأتوا من بيوتهم مبكرين حتى يصابوا باليأس والإحباط والقنوط من رحمة الله تعالى
شيخنا الحبيب أين أنت من قوله تعالى (قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)، لا أريد أن أقول إن ما فعلته إسراف على النفس ، لا أود أن أقول ما فعلته قنوط من رحمة الله ، ويا ليت الأمر مقصور على نفسك بل جاهرت به أمام جموع الحضور فما حالهم بعدما سمعوا كلامك ، إذا كان القائد أصيب باليأس والإحباط فما حال البسطاء ، نعلم جيدا أنك مكلوم لكن يا أخي إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا وما غلب عسر يسرين.
إن القائد الهمام هو الذي يبدل الهزيمة نصرا يبدل اليأس والإحباط إلى إصرار وعزيمة على مواصلة الكفاح ، ماذا لو وصلت كلماتك للمجاهدين المرابطين لا أقول في غزة وحدها بل فى كل بقاع الأرض ، فالمسلمون ينكل بهم في كل مكان ويحاربون في كل بقاع الأرض ، محاربون فكريا ، ثقافيا ، اقتصاديا ، عسكريا ، الإسلام يؤرق مضاجع الظالمين فما الحال إذا ما وصلت رسالتك هذه وستصل فنحن الآن في قرية صغيرة فمن أوصلها إلينا سيوصلها لغيرنا.
يا أخي الكريم ، الإسلام دين قوي ، أسس ركائزه محمد صل الله عليه وسلم ، أسس بنيانه على هدى وتقوى من الله تعالى ، إسلامنا دين قوي لا يدعو أبدا إلى اليأس والهزيمة والإحباط ، وإنما دين قوي متين يدعو ويحث على الجهاد ، ماذا قالت الصحابية يوم أحد ، هل سألت عن أولادها ، لا قالت هل رسول الله بخير ، وعندما سمعت بخبر وفاته قالت هبوا وقوموا موتوا على ما مات عليه ولم يهدأ لها بال إلا عندما رأته بأم عينيها.
يا أيها الحبيب ما عهدناك مذ رأيناك إلا مجاهدا مجاهرا صداحا بالحق رأيناك تدعو الناس للجهاد والقنابل والصواريخ تنهال عليك ، لا يا أخي نريدك أنت كما كنت مجاهدا ، ألم يقول الله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)
القوة قوتان قوة العدة والعتاد والسلاح ، وقوة الإيمان والإصرار على مواصلة الكفاح ، كيف يتحقق الايمان ، الإيمان إيمانان ، إيمان بالله تعالى وإيمان بقضيتنا العادلة ، فكيف يكون إيمان يشوبه إحباط ، لا أريد أن أقول أن ما فعلته مثلما فعل العالم من الرجل الذي طلب منه فتوى ، أنه زنا وقتل وسرق ، هل له توبة ، قال له لا ، ليس لك توبة ، يا أيها العلماء لا تقنطوا الناس من رحمة الله ولا تحبطوهم ، ألم يقل الله تعالى(وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، ألم يقل الله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم).
والنبي صل الله عليه وسلم ، أمرنا دوما بتجديد التوبة والاستغفار لله تعالى.
يا شيخنا الحبيب ألم يقل الله تعالى (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لم كان يرجوا الله واليوم الآخر)
هل الحبيب كل ومل ويأس من الدعوة ، نعم قياس مع الفارق ، النبي كان يدعو المشركين لترك عبادة الأوثان ، إلى عبادة الواحد القهار ، ونحن مسلمون نعم لكن نريد تفعيل هذا الإسلام في قلوبنا وفي معاملاتنا وفي حميتنا وغيرتنا على ديننا، تفعيله من خلالكم أنتم أيها الخطباء العلماء ، من خلال خطبكم التي تحث على الجهاد والوقوف فى وجه الطغاة لا ترككم للساحة مصابين باليأس والإحباط.
يا شيخنا الطيب ما فعلته بتركك المنبر لا أريد أن أقولها لكن اسمح لي سأقولها ، هذا اعتراض على حكم الله تعالى وأمر الله تعالى على الرغم من علمك اليقيني أن الله سينصر دينه ولو بعد حين وأن الله سيحرك جنوده ، لكن مع الصبر الجميل الذي لا يخالطه جزع ، فلا محن تستمر وتدوم لأن دوام الحال من المحال ، وإن النصر مع الصبر وإنما النصر صبر ساعة ، قد تكون ساعة ، أسبوع ، شهور ، أعوام ، لكن سيأتي بعدها الفرج والنصر المبين والفتح القريب وحتما سيأتي اليوم الذي سينطق فيه الحجر قائلا يا مسلم خلفي يهودي تعالى فاقتله.
شيخنا إذا ما نزلت أنت من على منبر رسول الله صل الله عليه ، فمن سيصعده ، من سيخطب واعظا الناس ، هل سيصعده الرويبضة والدهماء ، لا تزيد من معاناتنا بربك ، لا تعطى فرصة لهؤلاء المتسلقة ليتسلقوا على أكتاف إسلامنا ويتسلطوا على ديننا.
شيخنا الحبيب قد تصل إليك مقالتي وقد تجابهني بسؤال ، قد تقول أنتم لم تتعرضوا إلى ما تعرضنا له من إبادة جماعية ، أنتم آمنون في بيوتكم تأكلون وتشربون وتنامون على وساداتكم اللينة ، أنتم لم يخذلكم القريب والحبيب ، أنتم وأنتم وأنتم ، لكن أقول لك رادا عليك لا مبررا ، وإنما أذكرك بحديث النبي صل الله عليه وسلم ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة التجارة مع الله ، ويبتلى المرء على قدر دينه وإيمانه ، ولا يضع الله الإنسان فى امتحان يختار معه الكفر ، ولولا أن الله عليم بكم وأنكم على قدر المسؤولية ما كلفكم هذا التكليف.
وأختتم مقالتي بقوله تعالى
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)
أتمنى أن تراجع نفسك لست وحدك بل كل من يتسلل اليأس إلى قلبه والإحباط فليراجع نفسه
أتمنى أن تعود قوى كما كنت ، وكما عهدناك شحاذا للهمم مجاهدا ، فأفضل الجهاد جهاد الكلمة فما بالنا لو كانت كلمة لله تعالى ولنصرة دينه.
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.