بقلم الشيخ أحمد ربيع الأزهري
“الوعي” صناعة ثقيلة تحتاج لتكثيف . معرفي وتأصيل منهجي وبرامج تنفيذية وقبل كل ذلك أفكار ورؤى إبداعية، والوعي يقظة فكرية للعقل الجمعي تجعله مدراكا للواقع وعوالمه والظرف التاريخي ومقتضياته، والتحديات والمعوقات والطموحات والقدرات والمالات والأولويات والوعي جرس إنذار في مواجهة المخاطر وحائط صد عند النوازل والشدائد والوعي يقظة وانتباه وإدراك للذات قوة وضعفا، وتشبث بالجذور وتطلع للمستقبل.
فالوعي إذا عملية معقدة يجب أن تنهض النخبة المفكرة وصناع العقول وأرباب الفنون ومؤسسات الفكر والثقافة والتعليم بوضع رؤية تتكامل فيها الأفكار وتتلاقح فيها العقول ، فيحدث التناغم بين الخطاب الثقافي مع الخطاب الديني مع المنتج الأدبي والإبداع الفني في صناعة الإنسان القادر على حفظ هويته في عالم “ميتافيرس” فلم يعد العالم “قرية” واحدة بل أصبح “غرفة واحدة” تسحق فيها الهوية وتذوب فيها القومية والخصوصية الحضارية وتتلاشى بين جنابتها القوى الروحية والدينية وتتراجع القيم الأخلاقية ويندثر الضعيف ويتلاشى ويقبع المنتصر في ثنايا عقول المهزوم فيحوله إلى عرائس خشبية تحركها خيوطه وعندها ينقسم العالم إلى عقول مفكرة منتجة والباقي قطعان مستهلكة مستعبدة.
من هنا يجب ونحن نتطلع لبناء جمهورية جديدة أن تطلق المشروع القومي الأهم والأخطر وهو المشروع الفكري والقيمي للمجتمع والدولة المصرية” لأننا لن نحوز الريادة الحضارية بدخول التنافس العلمي والتكنولوجي فقط بل لا بد من منظومة القيم الحافظة للهوية والمتشبثة بالجذور والضامنة للخصوصية الحضارية، نحتاج للرؤية تصنع واعيا خاصا يلتصق بالمؤسسية ووعيا عامًا يُشكل الرؤية الجماعية.
فبلا شك أن صناعة الوعي في المؤسسات التربوية والتعليمية يختلف عن المؤسسات العسكرية والأمنية، والمؤسسات الاقتصادية والرقمية، لكن لابد من وعي جامع لكل تلك المؤسسات يصب في صناعة وعي جمعي للشعب ككل وهذا يقتضي علما وعملا ، فإذا حدث اقتران العلم بالوعي والعمل فإن هذا يعد مؤشرًا لقيم التقدم والرقي والريادة فالأمم تنهض بثلاثة أشياء “علم يرفع، ووعي يجمع، وعمل يدفع”، وهذا يقتضي أمل فسيح وعمل صحيح”؛ لأن فقه النهوض والتقدم يقتضي اقتران الأمل بالعلم والعمل، فالعلم إمام العمل والعمل تابعة والأمل دافعه.
لذلك يجب إن أردنا صناعة وعي حقيقي أن ننشئ محتوى يعد دليلا استرشاديا لصناع الوعي في الأمة فيجب في إطار مشروعنا الفكري والقيمي الحافظ لهوية الأمة ومقومات الدولة وقواها الناعمة أن تعنى بصناعة نخبة جديدة للدولة المصرية خاصة في مجال الفكر والثقافة وأن يكون لدينا مشروعًا تجديديا يحفظ للثوابت الدينية قدسيتها والوحدة الوطنية المصرية خصوصيتها، ويستفيد من تراثنا مناهجه وأطره التنظيرية وليس مسائله ومشاكله الحياتية، ويحفظ لمصر ريادتها في عالمها العربي بقوة حاضرها وعراقة شعبها وكذا ريادتها العالم الإسلامي بأزهرها الشريف وشيوخها وعلمائها العظام وبفقهها الوسطي السمح الكريم.
ويجب أن تصنع عقول تحمل بكل هذا الرؤى فنرها منتشرة توقظ الوعي في دور العبادة وقصور الثقافة ومراكز الشباب والتجمعات العملية وأن تصنع برامج دعائية تلاحق جيلنا الجديد من شبابنا في الطرقات والحافلات والراديو والشاشات ومواقع التواصل والمنصات الإلكترونية، بل في صناعة التطبيقات والألعاب الإليكترونية، وبلا شك فإن هذا يحتاج الصناعة ما يطلق عليه “حقيبة الهوية” التي تجمع بين طيتها كتب ومعارف ووسائط تعلمية تغرس في النشئ الانتماء للوطن وتعرفة بتاريخه وحضارته وتزكي الوازع الديني والأخلاقي وتنشط ذاكرته وتغمسه في تراب وطنه وتصعد به في نفس الوقت الأفاق المستقبل.
نحتاج لترتيب أولويات حاضرنا على بوصلة مستقبنا يجب أن تعنى بالاستثمار في العقول لأن أهم ما يحمي الثغور الاستثمار في العقول، يجب أن يثمر التعليم الحكمة ويولد الفكرة، فهو ليس تحفيظ و جمع معلومات بل هو حضانات الطلاقة الفكر وإبداعات العقل، يجب أن يملأ الخطاب الديني العقل بالمعرفة والقلب بالعاطفة وأن يصنع القلب السليم والعقل المستنير، وأن ينتقل الخطاب الثقافي من شعارات السفسطائية إلى مشاكل الناس الواقعية، وأن يتحول الخطاب الإعلامي من الإثارة إلى الإنارة.