يظن البعض أن البخاري هو أول من كتب أو جمع السنَّة النبويّة وصنَّفها وبوَّبَها، والحقيقة أن السنّة النبوية بدأت كتابتها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وازدادت بمرور الزمن حتى كانت هناك مئات الأجزاء الحديثية، بل الآلاف، المتداوَلة بين المُحدِّثين، في القرنين الأول والثاني, أي قبل البخاري الذي عاش في القرن الثالث الهجري (194-256)هـ.
بل إنه قد ظهرت المؤلّفات في موضوعات فقهية مختلفة، مثل رسالة زيد بن ثابت في الفرائض, وقد كان للصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص الصحيفة الصادقة المتوفى 65هـ، وكذلك كانت هناك صحيفة للصحابي سمرة بن جندب المتوفى 60هـ, وللصحابي نبيط بن شريط الأشجعي صحيفة مخطوطة وجزء منها في مسند أحمد.
كما ألَّف الشُعَبي رحمه الله المتوفى 103هـ كتباً متعدّدة، في موضوعات مختلفة مثل كتاب الجراحات، وكتاب في الصدقات، وكتاب في الفرائض، وكتاب في الطلاق، ومجموعة فقهية من الأحاديث، وكتاب في المغازي. ولابن جريج المتوفى 150هـ كتاب السنن وكتاب التفسير ولم يقتصر الأمر على الفقه بل ألَّف مجاهد بن جبر المتوفى 102هـ كتابًا في التفسير اعتمد عليه كثير من المفسّرين كابن جرير الطبري, (224- 310)هـ.
هذا فضلا عن كتب ومصنّفات كتب الفقه للمذاهب الأربعة والتي اعتمدت على السنّة النبوية وعلى أساسها تعدّدت الآراء والمذاهب مثل موطَّأ مالك بن أنس المتوفى 179هـ، والآثار لأبي يوسف القاضي ت 182هـ، وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني ت 189هـ ومرويات الإمام الشافعي ت 204هـ المسندة في كتبه الأم والرسالة ومسند الإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ، وغير هذا كثير مما هو مخطوط أو مطبوع أو مذكور داخل كتب الأقدمين من العلماء.
ثم كان البخاري بكتابه الصحيح أو (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه) والشهير باسم (صحيح البخاري) هو أبرز كتب الحديث النبوي والذي رجع فيه إلى كل من سبقه ممن دوَّن الحديث، فجمع منهم الصحيح من الأحاديث وفق شروط وضعها استغرق في جمعه وتصنيفه وتبويبه ستة عشر عاما وقد ابتدأ تصنيفه في المسجد الحرام وكان لا يُدخِل حديثا فيه إلا بعد أن يستخير الله ويصلّي ركعتين، لذا فقد كتب الله له القبول والذيوع وبعد فراغه منه عرضه على شيوخه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما وامتحنوه وأجازوا عمله وكلهم قال: كتابك صحيح.