بقلم الدكتور: هاني تمام
أستاذ الفقه بجامعة الأزهر
من أجل أيام الله وأفضلها يوم عرفة، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه نزل قوله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”.
يوم عرفة يوم النفحات والتجليات والإشراقات الإلهية من الله على خلقه، وهو اليوم الذي يتجلى الله فيه على عباده بالرحمات والبركات ومحو السيئات والمغفرة والعتق من النار، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ “.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِّينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ “.
لأجل تنزل هذه الرحمات والنفحات الكبيرة من الله على خلقه كان يوم عرفة من أشد الأيام على الشيطان التي يغتاظ فيها غيظًا كبيرًا، وكأن غوايته للإنسان تذهب هباءً في يوم واحد وكل ذلك بفضل الله علينا، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ، وَلَا أَحْقَرُ، وَلَا أَغْيَظُ مِنْه يَوْمَ عَرَفَةَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مِمَّا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ. إِلَّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ» قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ». أي يقود الملائكة للقتال مع المسلمين.
اغتمنوا هذا اليوم وتعرضوا لنفحات الله فيه بالتالي
1 ـ أكثروا من الذكر والدعاء في هذا اليوم فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الدعاء ما كان في يوم عرفة، فقال: صلى الله عليه وسلم«خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.
وليكن وردك من هذا الدعاء في هذا اليوم مثلا ألف مرة ومن زاد زاد الله له.
وقد يسأل سائل فيقول: هذا ثناء على الله وليس دعاء؛ لأن الدعاء طلب شيء من الله يُرجى حصوله ، فكيف يعبر النبي عن الدعاء بالثناء ، والجواب على ذلك : أن أعلى مقامات الدعاء ما كان من باب الثناء على الله تعالى ومن أثنى على الله حق الثناء وذكره بما هو أهله أعطاه الله ما يريد كما جاء في الحديث القدسي : إِذَا شَغَلَ عَبْدِي ثَنَاؤُهُ عَلَيَّ عَنْ مَسْأَلَتِي، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ “.
2 ـ أيها المسلم : لا تشغل نفسك بغير الله في هذا اليوم ، وفرغ قلبك وذهنك من كل شيء سوى الله ، واخشع لربك وتذلل له واندم على تقصيرك في حقه وعلى ذنوبك وآثامك ، وعاهده على الطاعة وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
3 ـ من السنة المؤكدة: صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ لمزيد فضله وشرفه وثوابه الكبير ، قال النبي الكريم: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ.
4 ـ الإكثار من الأعمال الصالحة المتنوعة في هذا اليوم، كالصدقة، وصلة الأرحام، وقضاء حوائج الناس ونفعهم وإدخال السرور عليهم، وغير ذلك.
أيها الأكارم: إن لم نشارك حجاج بيت الله شرف المكان الذى هم فيه فلنشاركهم في شرف الزمان، بالعمل الصالح، وتطهير القلوب وتزكية النفوس ومسامحة الخلق رجاء أن يسامحنا الله ويعفو عنا ، ولنحسن ظنننا فيه أنه سيقبلنا ويتجاوز عنا ويعطينا ما نريد.
5 ـ اغتنموا هذا اليوم وقفوا على باب الله واطلبوا منه ما تريدون ، وكونوا على يقين بقبول الله لنا ورحمته ومغفرته وإجابة دعواتنا.
قال أحد الصالحين: كنا ندخر حاجاتنا ليوم عرفة؛ ليقيننا أن الدعوة مستجابة في هذا اليوم.
وقال آخر : والله ما دعوت دعوة في يوم عرفة وما دار عليها الحول إلا رأيتها مثل فلق الصبح.
اللهم إنا نشهدك أنا عفونا عن كل خلقك فاعف عنا، وسامحناهم فسامحنا، ونسألك الهداية والتوفيق للجميع، للهم لا تؤاخذ أحدًا بنا في الدنيا والآخرة، وخذ بيدنا جميعًا إليك، اللهم أفض علينا في هذا اليوم المبارك من خيراتك وبركاتك ورحماتك ونفحاتك وأرزاقك وأسرارك وعلومك، واجعلنا من عبادك المقبولين.
كما نسألك يا ربنا بحق هذا اليوم الكريم أن ترحم أمواتنا وتغفر لهم إنك أنت الغفور الرحيم.