بقلم الدكتور: أيمن محمد عبد الكريم
إعلامي وأكاديمي متخصص في السيرة النبوية
نستكمل اليوم حديثنا السابق عن مناسك الحج خطوة بخطوة على النحو الآتي:
عند وصول الحاج إلى الميقات يُستحب له أن يغتسل ويتطيب، لما روي أن النبي صلى االله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الإحرام، واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أُطيب رسول االله صلى االله.
وعلى المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء أن تغتسل وتُحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت كما أمر النبي صلى االله عليه وسلم عائشة وأسماء بنت عُميس .
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظفاره وعانته و إبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه .
ويلبس الذكر إزارا ورداء ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يُحرم في نعلين لقول النبي صلى االله عليه وسلم: وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين . أخرجه الإمام أحمد رحمه االله .
وأما المرأة فيجوز لها أن تُحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها ثم ينوي المُحرم بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة ، لقول النبي صلى االله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ويشرع له التلفظ بما نوى فإن كانت نيته العمرة قال : ” لبيك عمرة ” أو ” اللهم لبيك عمرة ” . وإن كانت نيته الحج قال : ” لبيك حجا ” أو ” اللهم لبيك حجا ” ثم ناتي إلى نقطة أخرى و هي المواقيت المكانية التي يُحرم منها الحاج وهي خمسة :
( الأول ) : ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة وهو المسمى عند الناس اليوم أبيار علي .
( الثاني ) : الجحفة وهي ميقات أهل الشام وهي قرية خراب تلي رابغ ، والناس اليوم يحرمون من رابغ ، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات ، لأن رابغ تقع قبلها بشيئ يسير .
( الثالث ) : قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد وهو المسمى اليوم السيل .
( الرابع ) : يلملم وهو ميقات أهل اليمن .
( الخامس ) : ذات عرق وهي ميقات أهل العراق .
وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى االله عليه وسلم لمن أراد الحج أو العمرة .
والواجب على من مر عليها أن يُحرم منها. ويحرم عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصدا مكة يريد حجا أو عمرة سواء كان مروره عليها من طريق الأرض أو من طريق الجو لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة . والواجب على الأمة التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره من شئون الدين لقول تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . الأحزاب : ٢١
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: خذوا عني مناسككم وأما من كان مسكنه دون المواقيت كسكان جدة وأم السلم وبحرة والشرائع وبدر ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة. ولا يجوز للمُحرم بعد نية الإحرام سواء كان ذكرا أو أنثى أن يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره أو يتطيب .
ولا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطا كالفانلة والسراويل ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء من شعره بسبب ذلك فلا حرج عليه .
ويحرم على المرأة المُحرمة أن تغطي وجهها بالبرقع أو بالنقاب أو يديها بالقفازين لقول النبي صلى الله عليه وسلم « لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين» رواه البخاري .
ويُباح لها من المخيط ما سوى ذلك كالقميص والسراويل والخفين والجوارب ونحو ذلك ، وكذلك يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول االله صلى االله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه . أخرجه أبوداود وابن ماجة .
ويحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق كالطاقية والغترة والعمامة أو نحو ذلك لقول النبي صلى االله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة فمات اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه
ووجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا متفق عليه
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا بأس به كالاستظلال بالخيمة والشجرة لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ظُلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضُربت له قبة بنمرة فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة .
ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري والمعاونة في ذلك أو تنفيره من مكانه ، وعقد النكاح والجماع وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة لحديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يُنكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب » رواه مسلم .
وإن لبس المحرم مخيطا أو غطى رأسه أو تطيب ناسيا أو جاهلا فلا فدية عليه، ويزيل ذلك متى ذكر أو علم وهكذا من حلق رأسه أو أخذ من شعره شيئا أو قلم أظافره ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه
ويحرم على المسلم محرما كان أو غير محرم ذكرا كان أو أنثى قتل صيد الحرم والمعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك. ويحرم تنفيره من مكانه ويحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا البلد – يعني مكة – حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد. متفق عليه
فإذا وصل المحرم إلى مكة استحب له أن يغتسل قبل دخولها لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فإذا وصل إلى المسجد الحرام سُن له تقديم رجله اليمنى ويقول : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك، ويقول ذلك عند دخول سائر المساجد وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعا أو معتمرا ، ثم قصد الحجر الأسود واستقبله ، ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك ولا يؤذي الناس بالمزاحمة ، ويقول عند استلامه : ” بسم الله واالله أكبر ” . فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصا ، وقال : ” الله أكبر ”
ويجعل البيت عن يساره حال الطواف، وإن قال في ابتداء طوافه اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فهو حسن لأن ذلك قد روي عن النبي صلى االله عليه وسلم ويطوف سبعة أشواط ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، وإن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين وهو الأقل، فإذا شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة جعلها ثلاثة وهكذا يفعل في السعي .
وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره قبل أن يصلي ركعتي الطواف .
ومما ينبغي إنكاره على النساء وتحذيرهن منه: طوافهن بالزينة والروائح الطيبة فيجب عليهن التستر وترك الزينة حال الطواف وغيرها من الحالات التي يختلط فيها النساء مع الرجال لأنهن عورة وفتنة ووجه المرأة هو أظهر زينتها فلا يجوز لها إبداؤه إلا لمحارمها لقول الله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} النور ٣١ .
فلا يجوز لهن كشف الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحدُ من الرجال، وإذا لم يتيسر لهن إمكانية استلام الحجر وتقبيله فلا يجوز لهن مزاحمة الرجال بل يطفن من ورائهم فذلك خير لهن وأعظم أجرا من الطواف قرب الكعبة حال مزاحمتهن الرجال .
وإلى لقاء قريب بمشيئة الله تعالى نستكمل فيه أركان ومناسك الحج خطوة بخطوة.