ضرب الله مثلًا حيث شبَّه قلب المؤمن بالزجاجة في سورة النور، فلماذا كان هذا التشبيه؟! شبَّه الله النور ومكانه وحامله ومادته بالمشكاة، والمشكاة هي الكوة في الحائط مثلها تمامًا الصدر، وفي المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وشبّهت بالكوكب الدُّرّي في بياضه وصفائه، وهي مثل القلب، وشبّه القلب بالزجاجة لأنها جمعت أوصافا لابد أن تكون في قلب المؤمن وهي: الصفاء، الرقة، الصلابة. فالصفاء ليرى به الحق والهدى، والرقّة تتمثل في الرأفة والرحمة والشفقة، والصلابة لمجاهدة أعداء الله ويغلظ عليهم ويشتد في الحق.
لابد أن تتمثل كل هذه الصفات في قلب المؤمن، فلا تفسد صفة منها صفة أخرى، ولا تعاديها، بل تساعدها وتعاضدها، (أشدّاء على الكفّار رُحماء بينهم) الفتح: 29 وقال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران: 159 وقال: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) التوبة: 73.
فما القلب إلا آنية الله في أرضه، فأحبّها إلى الله أرقّها وأصلبها وأصفاها، وأنواع القلوب: قلب حجري قاس لا رحمة فيه، ولا إحسان ولا برّ، ولا له صفاء يرى به الحق، بل هو جبّار جاهل، لا عالم بالحق، ولا راحم للخلق.
أما الآخر فهو قلب ضعيف مائي، لا قوة فيه، ولا استمساك، بل يقبل كل صورة، وليس له قوة حفظ تلك الصور، ولا قوة التأثير في غيره، وكل ما خالطه أثر فيه، من قوي وضعيف، وطيب وخبيث.