فى استجابة سريعة وترجمة للتلاحم الوطنى، من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمواجهة كارثة سقوط شهداء أداء فريضة الحج لهذا العام، صدر التوجيه الرئاسى بتشكيل “خلية أزمة”، لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين، في السعودية خلال أداء مناسك الحج لهذا العام.
وذكر بيان المتحدث باسم الرئاسة المستشار أحمد فهمي، عبر حسابه على فيسبوك، أن الرئيس السيسي “أصدر توجيهاته بتشكيل خلية أزمة برئاسة رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي، لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين، ويأتي هذا التوجيه في إطار حرص القيادة المصرية على متابعة أوضاع الحجاج وتقديم الدعم والمساندة لأُسر المتوفّين، وضرورة التنسيق الفوري مع السُلطات السعودية لتسهيل استلام جثامين المتوفّين وتقديم كافة التسهيلات اللازمة في هذا الشأن”
اجتماع فورى
وعلى الفور ترأَّس د. مدبولي، اجتماع خلية الأزمة المُشكَّلَة بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحضور د. مختار جمعة- وزير الأوقاف- سامح شكري- وزير الخارجية- د. خالد عبدالغفار- وزير الصحة والسكان- اللواء محمود توفيق- وزير الداخلية- د. نيفين القباج- وزيرة التضامن الاجتماعي- الفريق محمد عباس حلمي- وزير الطيران المدني (عبر تقنية الفيديو كونفرانس)- أحمد عيسى- وزير السياحة والآثار- السفير إسماعيل خيرت- مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين في الخارج- اللواء أحمد شاهين- ممثلاً عن إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة- اللواء حسام أبو المجد، ممثلاً عن هيئة عمليات القوات المسلحة، ومسئولي الوزارات والجهات المعنية.
وتقدَّم د. مدبولي، نيابة عن مجلس الوزراء بخالص العزاء والمواساة لأسر الضحايا من الحجاج المتوفين، مؤكدًا الالتزام بتقديم الدعم اللازم لهم خلال هذا الحدث المُحزن. وأشار إلى أن هذا الاجتماع لـ”خلية الأزمة” التي كلّف بها الرئيس، يأتي بهدف متابعة أوضاع الحجاج المصريين، وتقديم الدعم والمساندة لأسر المُتوفين، والتنسيق مع السُلطات بالمملكة، لتسهيل الإجراءات الخاصة بالمتوفين، وتقديم كافة التسهيلات اللازمة في هذا الشأن، وكذا دراسة أسباب ما حدث والعمل على عدم تكرارها.
ووجَّه د. مدبولي، بضرورة اتخاذ قرارات فورية مع الشركات أو الكيانات التي ساهمت في تسفير هؤلاء الحجاج بآليات وطرق غير رسمية، مع وضع الأطر والقواعد التي تسهم في عدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى.
البعثة الرسمية
ونوّه د. مدبولي، إلى أن إجمالي عدد البعثة الرسمية المصرية يزيد على 50 ألف حاج، مضيفًا أنه يجري مُتابعة أوضاع البعثة الرسمية على مدار اليوم من المسئولين المعنيين، كما تم متابعة وحصر أعداد الحجاج غير النظاميين لعدم وجود أي بيانات مُسجّلة عنهم سواء في الوزارات المعنية، أو القنصلية، أو لدي البعثة الطبية، مؤكدا أن الأمور في البعثة الرسمية شديدة الانضباط، وهناك منظومة متابعة متكاملة على أعلي مستوي من كافة أجهزة الدولة المعنية، حيث تم رصد 31 حالة وفاة بالبعثة الرسمية للحج نتيجة أمراض مُزمنة.
جهود دبلوماسية
من جانبه، أوضح سامح شكري- وزير الخارجية- أن الحجاج الذين فقدوا أرواحهم خلال هذه الأزمة، معظمهم من الحجاج غير النظاميين حيث لم توفِّر لهم شركات السياحة التي قامت بتسفيرهم أي خدمات. مشيرا إلى جهود الوزارة لمتابعة أوضاع الحجاج المصريين بالمملكة، حيث تواصل القنصلية المصرية بجدّة وفرق العمل المتعدّدة التي أوفدتها إلى مكّة المكرّمة والمشاعر المقدّسة التنسيق مع السُلطات السعودية وإجراء الزيارات الميدانية للمستشفيات للحصول على بيانات المواطنين المصريين المتواجدين بها سواء من يتلقّى العلاج أو من وافته المنيّة ومطابقتها مع بيانات المواطنين الذين أبلغ ذووهم عن فقْدهم، والتأكد من تقديم الرعاية اللازمة للمرضى منهم، فضلاً عن تخصيص بعثة قنصلية تتواجد على مدار الساعة بمستشفى شرق عرفات ومُجمع المعيصم الطبى.
ونوّه “شكري”، إلى أن غرف الطوارئ التي تم تخصيصها للاستجابة السريعة تعمل على مدار الساعة ويمكن للمواطنين التواصل معها من خلال الأرقام المٌعلنة، مؤكّدًا استمرار بذل كافة الجهود بالتنسيق مع السلطات السعودية من أجل ضمان الوصول إلى المواطنين المصريين المفقودين في أسرع وقت ممكن، وتأمين عودة كافة الحجاج المصريين إلى أرض الوطن.
غير النظامي!
من جانبه، نوّه اللواء محمود توفيق- وزير الداخلية- إلى أنه يجب في هذه الأزمة الفصل بين الحج الرسمي وغير الرسمي، أو غير النظامي، فمثل كل عام يسير الحج الرسمي بصورة منتظمة، وعملية التفويج تمت بصورة جيدة هذا العام، أما فيما يتعلّق بالحج غير النظامي فهنا تكمن المشكلة، وقام بشرح أسباب المشكلة، والإجراءات المُطلوبة للتعامل معها.
البعثة الطبية
كما عرض د. خالد عبدالغفار- وزير الصحة والسكان- تقريراً حول أعمال البعثة الطبية المصرية لموسم الحج هذا العام، مؤكداً أن البعثة قامت بتقديم كافة الخدمات الوقائية والعلاجية للحجاج، من خلال قوام البعثة البالغ 170 فرداً، بين أطباء بشريين في مختلف التخصّصات، أطباء وقائيين، مراقبين صحيين، صيادلة، عناصر تمريض، مُسْعِفين، موضحاً أن البعثة الطبية حرصت على التنسيق الكامل مع السُلطات الصحية السعودية لضمان تقديم خدمات متقدّمة بمستوى عالٍ من الجودة.
أضاف: البعثة الطبية المصرية كانت مُزوَّدة بنحو 10.6 طن من الأدوية من مختلف الأصناف اللازمة، وعدد من التجهيزات الطبية الأخرى، وقامت بتقديم الخدمات الطبية الأولية للحجاج من خلال 26 عيادة تخصصية مُلحقة بفنادق بمكّة والمدينة، استقبلت فعلياً نحو 23.6 ألف حالة تم مناظرتهم وتقديم الخدمات الطبية لهم، مُستعرضاً موقف الحالات التي تم تحويلها إلى مستشفيات لتلقي مستوى متقدّم من العلاج بعد تقديم الخدمات الطبية الأولية بالعيادات، مؤكداً أنه تم متابعة حالة الحجاج المحجوزين داخل المستشفيات أولاً بأول.
سحب الترخيص
كما عرض أحمد عيسى- وزير السياحة والآثار- موقف الحج السياحي، مشيرًا إلى أن أي شركة سياحة سيثبت تورّطها في تقديم وعود لمصريين بالحج خارج الإطار الرسمي، سيتم سحب رخصتها فوراً، وإحالة مسئوليها إلى النيابة العامة بتهمة النصب والاحتيال.
تنسيق متكامل
كما استعرضت د. نيفين القباج- وزيرة التضامن الاجتماعي- موقف حج الجمعيات، والخدمات التي تقدمها الوزارة لحجاج هذا النمط، مؤكّدة أن هناك تنسيقاً على أعلى مستوى يتم داخل البعثة الرسمية المصرية، سواء بعثة وزارات الداخلية أو السياحة، أو التضامن، كما تتولّى وزارة الصحة والسكان مُساعدة كل الحجاج بالنسبة للرعاية الصحية.
تأشيرة زيارة شخصية
وخلال الاجتماع، تم استعراض التقرير الصادر عن الأمانة الفنية لخلية إدارة الأزمة، الذي أشار إلى أن أسباب ارتفاع حالات وفاة الحجاج المصريين غير المسجَّلين يرجع إلى قيام بعض شركات السياحة بتنظيم برامج حجّ بتأشيرة زيارة شخصية، مما يمنع حامليها من دخول مكّة، ويتم التحايل على ذلك عبر التهرّب داخل دروب صحراوية سيرًا على الأقدام، مع عدم توفير أماكن إقامة لائقة بباقي المشاعر مما تسبب لتعرّض الحجاج غير المسجّلين للإجهاد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
تقرير مبدئى
وأثبت التقرير، أنه تم رصد عدد 16 شركة سياحةـ بصورة مبدئيةـ قامت بالتحايل وتسفير الحجاج بصورة غير نظامية، ولم تقدم أي خدمات للحجاج، ومن هنا كلّف رئيس مجلس الوزراء، بسرعة سحب رخص هذه الشركات، وإحالة المسئولين إلى النيابة العامة، مع تغريم هذه الشركات لصالح أسر الحجاج الذين تسبّبوا في وفاتهم.
كما تم استعراض نتائج أعمال اللجنة المُشكَّلة لمتابعة أوضاع الحجاج المصريين بالأراضي السعودية، والتي تضم مختلف الوزارات والجهات المعنية، حيث تضمّنت توصيات اللجنة أهمية التنسيق مع الجانب السعودي لتقديم كافة التيسيرات إلى أسر الضحايا والمرضى، مع قيام وزارة السياحة والآثار برصد الشركات السياحية المخالفة، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيالها، وقيام وزارة العدل بالنظر في إمكانية سداد تلك الشركات غرامات لصالح أسر ضحايا الحج غير النظامي، مع إحالة الموضوع إلى النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
المتابعة المستمرة
كما تضمنت التوصيات التنسيق مع الجانب السعودي بشأن تحاليل DNA للمتوفين مجهولي الهوية حتى يتم مطابقتها مع أهليتهم داخل البلاد، وقيام وزارة الصحة المصرية بالتنسيق مع نظيرتها السعودية لمتابعة الحالات المرضية بالمستشفيات المختلفة، وبحث إمكانية إعادتهم للبلاد حال استقرار حالتهم الصحية، إلى جانب العمل على وضع آليات منح تأشيرات الزيارات بمختلف أنواعها من خلال التنسيق مع الجانب السعودي ووزارة الخارجية المصرية وذلك قبل وأثناء موسم الحج منعاً لتكدس الحجاج غير الرسميين داخل المملكة، مع قيام وزارة السياحة والآثار بمراجعة كشوف تأشيرات الدخول للأراضي السعودية والتأكّد من إصدار BARCODE من خلال شركات السياحة من عدمه، وكذا متابعة التزام الشركات بتلك الإصدارات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه الشركات المخالفة.
تعديل القانون
وشملت توصيات اللجنة أيضاً قيام وزارة السياحة والآثار بدراسة تعديل بعض مواد قانون شركات السياحة رقم 38 لسنة 77 وتعديلاته لتشديد ضوابط إجراءات الشركات السياحية المنفِّذة لبرامج الحج والعُمرة وضمان عدم مخالفتها وتحديد مسؤولياتها.
وأهابت اللجنة، بالمواطنين الالتزام بأداء هذه الشعيرة من خلال الإطار الرسمي الموجود بالدولة، لأن اللجوء إلى الطرق غير الرسمية يُمثّل مخاطرة شديدة، وتعريضًا للأرواح للخطر، وعلى مدى الشهور الماضية أصدرت وزارة السياحة عدة بيانات صحفية وتنويهات تؤكّد خلالها ضرورة الالتزام بأُطُر الحج الرسمي التي وفّرتها الدولة.
كما تم خلال الاجتماع، مناشدة ذوي أي مفقود خلال تأدية مناسك الحج لهذا العام، بالتواصل مع الخطوط الساخنة التي سبق أن أعلنتها وزارة الخارجية، والمرتبطة بغرف الطوارئ التي تم تخصيصها للاستجابة.
تعددت الأسباب!
كان موسم الحج هذا العام قد شهد ارتقاء العديد من شهداء الفريضة إلى الرفيق الأعلى، وقد تعددت الأسباب والارتقاء والنتيجة واحدة.
وقد حدثت موجة الوفيات خلال الفترة من 14- 19 حيث توفّي ما لا يقل عن 1226 حاجا من جنسيات مختلفة في مكة بسبب الحرارة الشديدة التي تجاوزت 50 درجة مئوية- أعلى درجة حرارة مسجلة تم الإبلاغ عنها في المسجد الحرام بمكة كانت 51.8 درجة مئوية- وكانت أغلبية الوفيات من مصر برصيد 608، تليها اندونيسيا 183.
قصص إنسانية
وقد حَفَلَت رحلة ارتقاء الحجاج بالكثير من القصص الإنسانية المؤثِّرة، ومنها قصّة الحاجة نوال عبدالشافي العوضي– من أبناء طحانوب، قليوبية- الأمُّ العظيمة والمُربّية الفاضلة، التى خرَّجت ورَبَّت أجيالا فى بيتها ومدرستها ليكونوا نماذج طيّبة فى المجتمع، صالِحين ومُصلحين.
والتى لبَّت نداء ربِّها علي جبل الرحمة قُبيل مغرب يوم عرفة حيث طلبت من ابنها د. أمجد العوضي أن يساعدها في الوضوء استعدادا للقاء ربِّها، وبالفعل صعدت روحُها الطاهرة يوم عرفة وستُبعث- إن شاء الله- يوم القيامة في ملابس الإحرام مُلَبِّيَة، كما أخبرنا سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حيث قال (يُبعت كلُّ عبدٍ علي ما مات عليه) رواه مسلم.
“الحاجة نوال” أمٌّ أعطت الكثير للمجتمع، حيث ساهمت في بناء عقول أجيال كثيرة وتربيتهم وتقويم سلوكهم وكانت قدوة حسنة لهم، أنجبت وأحسنت تربية أولادها كل فرد في مجتمعه نموذج مشرِّف.
وفى أواخر أيامها كانت دائمة الدعاء أن يحسن الله خاتمتها، وأن يكرمها بزيارة بيته الحرام وروضة المصطفى، وأن تُدفن فى البقيع حيث النبى وصحبه الكرام، طمعا فى نيل رضوان الله ومغفرته، وشفاعة خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم.
ومن محافظة الشرقية، أكرم الله تعالى الحاجة منى عبدالظاهر الهوبي، بالوفاة في البقعة الطاهرة، في مشعر منى أثناء رمي الجمرات ثاني أيام التشريق، بعد أن مَنَّ الله عليها بأداء طواف الإفاضة والوقوف في عرفة، وتم دفنها بمكّة المكرّمة، وأقيمت عليها صلاة الغائب في مسجد أبو عميرة بقريتها الخطّارة الصغرى.
ومن الإسماعيلية توفّى الشاب الخلوق د. محمد عبدالفتاح، الذي كان أدَبًا يمشي على الأرض، وقد حصل على درجة الماجستير من كلية دار العلوم فبراير 2020، ليلحق بوالده الذى توفّى منذ فترة قريبة.