بقلم الدكتور عطية محمود رواش
أستاذ الحديث النبوي الشريف وعلومه بجامعة الأزهر الشريف
أحسن نعمة امتن الله بها علي(بعد نعمة الإسلام)وأنا أحمد الله عليها ليل نهار مادمت حيا: أن الله جعلني من أهل الحديث النبوي الشريف؛ هذا العلم الجليل الذي يصور لك الحقبة الزمنية والتاريخية التي وصفت بدقة عالية كيف كان حال النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه وبلده وأهله وأصحابه وزوجاته وأولاده وأعدائه وأحبابه؛ وحاله مع كتاب ربه وشريعته؛ وفي حروبه وغزواته؛ وفي نومه ويقظته وعبادته وتجارته وجيرانه وسياساته وإدارته وذكائه ومعجزاته ورحمته وكل صفاته وأخلاقه وأحواله وحاله مع اليوم الآخر والملائكة والنبيين والكتب السماوية قبله… وحاله مع العالم من حوله…
علم الحديث صور كل شيء في هذه الحقبة الزمنية النبوية…
فوالله لو كانت الحقبة الزمنية النبوية في زمان أحدث وأدق كاميرات التصوير والمراقبة والتحكم ما كانت ستنقل لنا ربع ما نقله رواة الحديث النبوي الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانه وسنته ومنهاجه؛ وكل لحظة من حياته…بل حتى ولو كانت كاميرات دقيقة جداً لأعلى درجة لشاهدناها الآن بصفار وضبابية ورداءة صورتها وصوتها- هذا على فرض دقة المصورين وجودة الكاميرات وثقة اليد التي تمسك بها-.
لكن لما انتقلت الصور لكل مشاهد وصور وأحداث عصر النبوة وحفظت الأصوات والحركات لكل شيء عبر رجال ثقات لهم قلوب تنبض ولحوم ودماء وعقول وصدور وأنساب وأحساب وعدالة وسرعة بديهة وحافظة قوية وضبط وقوة حفظ وعلم وأمانة ومروءة وقوة إيمان جاءتنا الأحداث للحقبة النبوية الشريفة وكأنها رأي العين الآن أو أكثر وضوحاً وتوثيقا فهذه الروايات الحديثية-المنقولة عبر الرواة الثقات- جعلت صور الحقبة الزمنية النبوية الشريفة أمام الغائب عن حضورها في زمنها جعلته اليوم يشاهدها ويحفظها ويصفها اليوم بصورة أدق وأشمل وأكمل من بعض معاصريها- مع حفظ مكانتهم والاعتراف بحقوقهم وفضائلهم- لأن الذي يطلع على الحقبة الزمنية النبوية الآن يشاهدها ويحفظها ويصفها كلها بصورة مكتملة – كالأقمار الصناعية العملاقة التي تحيط صورة ومشاهدة بالكرة الأرضية كلها من زوايا متعددة- ووالله إن نقل صور هذه الحقبة عبر رواة الحديث ومشاهدتها الآن لهو أوثق وأوضح لأنها وصلت إلينا عبر طرق صحيحة وغاية في الدقة ولحظة بلحظة وبتغطية كاملة تعادل رأي العين وحضور القلب ويقظة الذهن وأكثر وأدق من ذلك؛ لأن الراوي ينقل عن كل الصحابة الذين لم يتركوا ساحة النبوة خالية ثانية واحدة- فإن غاب صحابي عن المشهد أدركه صحابة آخرون فنقلوا كل شيء بدقة- فأصبح أهل الحديث النبوي الآن يشاهدون عن كثب كل ما كان وما دار؛ وما ظهر؛ وما غاب وما خفي وما استتر حتى عن بعض الصحابة- وحتى الأمور الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته- والتي لا تخدش الحياء- كانت أمهات المؤمنين أكثر دقة من أوثق وكالات الأنباء العالمية في نقل ما يهم الأمة في هذا الجانب من حياة النبي صلى الله عليه وسلم- وكذلك نقل التابعون كل ماورد عن الصحابة من فهمهم الصحيح الدقيق للكتاب والسنة وتطبيقهم عمليا وحرفيا لكل ما جاء في القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة..كل ذلك تحمل علم الحديث النبوي الشريف مسؤولية نقله وتداوله بكل دقة عبر الأزمنة المديدة والأجيال المتلاحقة بكل ثقة ودقة وتحري لكل لفظ بل كل نفس تنفسه صلى الله عليه وسلم فقد وصلنا عبر أوثق وأوضح الطرق.
* ومن هنا تظهر أهمية علم الحديث النبوي الشريف وعلومه دراية ورواية وفهما ونقلا وتعلما.
* وأني أقسم بالله العظيم غير حانث لم ولن تجد علما تعرض للانتقادات والغربلة والتصفية والتنقية- من أصحابه قبل أعدائه- مثل علم الحديث النبوي الشريف…
* والناظر إلى الأبحاث العلمية ورسائل الماجستير والدكتوراه في كافة الجامعات والمعاهد العلمية الإسلامية وغير الإسلامية يجدها تصوب سهامها نحو كل مكذوب أو دخيل على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكذلك الكتب المصنفة من كافة العلماء في كل أنحاء العالم حول الانتصار للمرويات؛ أو نقدها أو إبطالها وردها؛ سيدرك تماماً أن علم الحديث النبوي الشريف هو الذي نقل لنا كل فمتو ثانية في الحقبة الزمنية النبوية الشريفة بصورة صحيحة ودقيقة وآمنه.
* ووالله العظيم منذ زمن النبوة إلى الآن والنقد مستمر والغربلة والتصفية والتنقية تعمل على قدم وساق على مرأي ومسمع من العالم كله-حتى قبل وأثناء وبعد كتابة هذا المقال لن تتوقف الغربلة والتنقية والتصفية والدراسات النقدية حول الأسانيد والمتون الحديثية-…
* وتالله لم ولن تجد مجاملة لأي راو أو عالم من علماء الحديث..ولن تجد محاباة ولا سكوتا عن أي ضعف في أي رواية…فمادة النقد الحديثي التى بينت الزائف من الرائج موجودة أثناء مراحل تصنيف كتب الحديث النبوي الشريف وبعدها؛ وكذلك تزخر بهذا النقد والتمحيص كتب الشروح لأي كتاب حديثي فتنتقد الأسانيد والمتون بل وترجح رواية الصحابي الذي كان آخر العهد بالموقف النبوي الشريف عن من كان أقدم عهدا؛ وترجح رواية الصحابي الذي حضر المجلس النبوي أولا على رواية الصحابي الذي حضر متأخرا… وكذلك كتب نقد رواة الحديث النبوي وكتب العلل تكاد توازي أو تكون أكثر عدداً من كتب الحديث الأصلية التى تحمل المتون؛ بل والله بالنظرة الحديثة وحسابات ماتم تصنيفه حول قوانين الرواية الحديثية وكتب العلل والنقد الحديثي والتعقبات في هذه الأيام تفوق عدد مصادر الأحاديث النبوية التي تحمل متون الحديث النبوي آلاف المرات.
* لذلك يحق لنا أن نقول كيف كنا نتصور حال دين الله وشريعته- عقيدة وعبادة ومعاملة وفقها وأصولا- لو لم يكن هناك علم الحديث النبوي الشريف وعلومه!!!!!
فعلم الحديث هو ذروة سنام الأدلة؛ وسماء الشريعة المظلة.
* علم الحديث هو الأساس في قراءات القرءان الكريم كلها لأن كل القراءات لا تصلح إلا إذا خضعت لشروط هذا العلم من حيث التواتر وصحة أسانيد القراءة وهذا من صميم علم الحديث النبوي الشريف، فالقاريء تلميذ عند المحدّث.
* علم الحديث الذي لم ولن يعتد بأي تفسير مأثور للقرءان إلا إذا خضع تفسيره لقوانين علم الحديث النبوي الشريف وإلا لا يعتد به كتفسير مأثور للقرءان الكريم؛ فالمفسر تلميذ عند المحدّث.
* علم الحديث هو الأساس في الفقه فلا يتم ترجيح رأي فقهي على آخر إلا من خلال قوانين علم الحديث حيث صحة السند هي الفارق في المسألة الفقهية من حيث قرائن الترجيح؛ والتأكيد على قوة الحكم الفقهي الصحيح.
* علم الحديث هو الأساس في علوم اللغة العربية كلها من نحو وصرف وأصول لغة ولهجات وبلاغة وأدب فكلامه صلى الله عليه وسلم هو زاد هذه العلوم ومادتها الأساس.
* علم الحديث النبوي الشريف هو الأساس في التاريخ والسير لأنها مستمدة منه وأحد فروعه..
* علم الحديث هو الأساس في التقدم العلمي والإعجاز الكوني فكلامه صلى الله عليه وسلم بحر عميق ونهر عزب يحمل داخله المادة الخام في معظم الاكتشافات العلمية الحديثة.
* علم الحديث النبوي الشريف الذي وقف كأقوي جيوش العالم يعقد ألوية السنة الصحيحة، ويقوي كتائب العلماء؛ ويدعم سرايا الفقهاء لحماية ثغور السنة من انتحالات أهل البدع المحدثة والأهواء التى يروج لها أعداء الروايات والأسانيد ويأخذون أدلتهم من أهواء عقول أساتذتهم في البدع والافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بدون دليل.
* علم الحديث النبوي الشريف الذي وقفت أسانيدة الصحيحة تسد فوهات أفواه أهل الغلو والتكفير والتفجير من الخوارج والجماعات التكفيرية وغيرهم الذين أطلقوا العنان لأفواههم المنحرفة فأحدثت دماراً في الأمة يفوق دمار المدافع والدبابات التى تصوب قذائفها في صدور شباب ورجال ونساء الأمة.
* علم الحديث النبوي الشريف هو الحكم القوي؛ والفيصل الواضح؛ والقاضي العادل؛ والطبيب الماهر؛ والصيرفي الذكي الذي يفرز لك الغث من السمين؛ والصحيح من السقيم؛ والصواب من الخطأ؛ والحق من الباطل، فهو لسان ميزان العلوم؛ وبر الأمان العاصم من تشدق المتنطعين؛ ودار قرار لأهل السنة المتعبدين؛ ومرسى سفينة الناسكين العاصم لهم من الغرق في بحور المبتدعين الضالين؛ ومناجم الذهب لكل قول معتمد؛ وجبل الرسوخ لكل ثابت؛ وصخور القوة الذي يدغدغ ويحطم رأس كل غاشم معتد على العقيدة؛ وحامي ديار الشريعة؛ وحصن قلاع الدين؛ وحارس الحدود لكل متسلل لقصور الشريعة؛ وعصا الأدب لكل متسكع على موائد الفقه؛ وحصن السنة العالي عن تسور المبتدعين؛ ورمح القوة الشاق لصدور المستشرقين؛ وسوط التنكيل لكل متطفل على مجالس العلماء؛ وسيف بتر لكل الأيادي المحاولة للعبث بقضايا الدين.
فهو كالشمس للدنيا نورا؛ وكالقلب للأجساد حياة؛ وكالماء للدنيا ريا وأساسا لكل نبت صالح في أرض الشريعة.
* علم اجتمعت عليه القوى الغاشمة من كل أقطار الأرض ؛ وتناوشته سهام أعداء الله من كل صوب وحدب؛ وتصوبت نحوه رماح أعداء السنة من كل بقاع الأرض، ولكنه وقف صامدا رغم قسوة الباطل؛ وصولة الظالم؛ وقف يدافع عن مشكاة النبوة رغم جلب الأعداء لكل خيلهم ورجلهم؛ ورغم أنهم أوجفوا بخيلهم وركابهم للنيل منه ولكن هيهات هيهات.
* علم دقت فوق رأسه كل طبول الحرب عبر كل الأمم، وقصفت جبهاته كل خلق الله عبر الأزمنة المديدة والأجيال المتلاحقة؛ ومع كل هذا مازال صامدا يصد كيد أعداء السنة النبوية ويجابه كارهي الشريعة الإسلامية.
* علم مرابط على ثغور المنابر والمنصات العلمية، ورمانة ميزان لكل قول يخرج من أفواه أي عالم.
الحمد لله الذي جعلني من طلاب علم الحديث النبوي الشريف ورواده وأهله.