المفتى: التنوع والاختلاف البشري ركيزة التنمية الشاملة
د. أندريه: المبادرات العملية أساس العيش المشترك
سفير الاتحاد الأوروبي: الديمقراطية رحلة تعلم مستمرة
كتب مصطفى ياسين
أجمع علماء الدين وخبراء السياسة والفكر والعمل المجتمعى أن بناء الوعي هو الخطوة الجوهرية في بناء مجتمع ديمقراطي، وأن التنوع والاختلاف البشري ركيزة للتنمية الشاملة وتماسك المجتمع في الجمهورية الجديدة، مشيرين إلى أن الديمقراطية هي رحلة تعلم مستمرة.
جاء ذلك في ختام فعاليات مشروع “دعم الديمقراطية والسلام المجتمعي”، بمنتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، اليوم الثلاثاء، برعاية القس د. أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وحضور فضيلة د. شوقي علام، مفتي الديار المصرية، السفير كريستيان برجر، سفير الاتحاد الأوروبي بمصر، الإعلامي حمدي رزق، سميرة لوقا، رئيس أول قطاع الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية، ونخبة من قادة الفكر ورجال الدين المسلمين والمسيحيين والإعلاميين والأكاديميين. مع استعراض تجارب مبادرات وورش عمل المجموعات الشبابية من خلال فيلم تسجيلي، وتكريم جميع المشاركين.
أكد د. شوقي علام، “إن دار الإفتاء تحرص على أن تكون الفتوى محفزًا وداعمًا لاستقرار المجتمع وألا تكون عائقًا أمام هذا الاستقرار”، مشيرًا إلى “أن دار الإفتاء تصدت بجسارة للفتاوى التي هددت أمن المجتمع وكانت غريبة على المجتمع المصري”، مؤكدًا “أن المجتمع المصري مجتمع متفرد ولا يمكن أن يفترق النسيج الوطني تحت أي مبرر أو أمام أي تحدٍّ”، مشددًا على “أن الشعب المصري فوق التحديات”. مشيرًا إلى “أن الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي في هذه الفترة غير مسبوق”، لافتًا إلى “أنه يمثل تحديًا أمام البشر في المجال الفردي والمؤسسي والتربوي، إذا لم يضبط أخلاقيًّا”. مشيدًا بجهود الهيئة القبطية الإنجيلية في دعم قضايا السلام والوحدة المجتمعية في مصر التي تُنبئ عن رؤية واعية للمؤسسات الدينية الوطنية تجاه قضايا السلام والوحدة المجتمعية، وتبث الطمأنينة والأمل في النفوس.
أشار إلى أن مجتمعنا متفرد منذ قدوم عمرو بن العاص وتعانق الشعب معه، فخلق نسيجا متميزا، وهذا قدر مصر ان تكون واحدة ولا يفرق نسيجها كالثوب الواحد، فالشعب المصرى فوق التحدى، مؤكداً أنه لا سبيل إلى الرقى العقلى إلا بالحوار والأسس المعرفية الحقيقية، فالحوار فى القرآن هو قضية مركزية، يأخذ بأيدى الإنسان إلى الرقى والتقدم، والتعدد الإنسانى حتمية فى كل المجتمعات.
التقدم المذهل
وقال فضيلته: “إن التقدم المذهل في تقنيات الاتصالات والتواصل فرض نفسه كقوة تؤثر على جميع مناحي الحياة الإنسانية، خاصةً الفكرية والثقافية والمجتمعية”، مؤكدًا أن هذا الانفتاح الكبير يوفر فرصة لاستكشاف الثقافات المختلفة، وزيادة التفاهم والتقارب، والتقليل من حدة الخلافات.
أوضح أن هذا الانفتاح الكبير يمثل في جانبه الإيجابي فرصةً لم تُتَح من قبلُ لاستكشاف واسع لسائر الثقافات المختلفة، وفرصة لزيادة التفاهم والتقارب والتقليل من حدَّة الخلاف بين تلك الثقافات، وإمكانية فهم ظاهرة التنوع كطبيعة بشرية، بل والاستفادة منه على الجانب التنموي.
وأكد المفتي أن البُعد الفكري والثقافي لا يزال يمثل محركًا لأكبر الصراعات الكبرى في العالم، ولا يزال فهم التنوع والتعامل معه مشكلةً عالمية إنسانيةً، تتأثَّر بمسارات الأفعال البشرية التي تُحدِّد ما هو مقدَّر لظاهرة التنوع؟ وهل ستكون أداة للبناء الحضاري؟ أم أحد معاول هدمها؟
أشار إلى أنَّ مدى تأثير ظاهرة التنوع الفكري والثقافي في ظل معطيات تقنيات التواصل والانفتاح المعاصرة يتحدَّد بشكل رئيسي وَفق طريقة تعاطينا مع تلك الظاهرة وفَهمها وتطويعها للبناء الحضاري الإنساني، لا لترسيخ الصراع البشري كما يرتكز في قناعات البعض.
وشدد فضيلته على أنَّ التنوع في الخلفيات الثقافية والمعتقدات ونحو ذلك من الاختلافات البشرية التي قدَّر الله سبحانه وتعالى وجودها بين البشر وجَعَلَها سُنَّةً كونية لا مفرَّ منها، يجب أن يُدار إدارة رشيدة يمكن من خلالها استغلال هذا التنوع كقوة دافعة لعملية التنمية بمفهومها الشامل لا على البعد الاقتصادي فقط، بل بالأحرى على الجانب الاجتماعي، فالتنوع الفكري والثقافي وفهمه وقبوله قادر على خلق حياة فكرية أكثر تكاملًا، وقادر على أن يعطي للمجتمع أهدافًا حضارية مشتركة تمثل محركًا له على العمل والانتاج.
الجمهورية الجديدة
تابع المفتى قائلاً: “إنَّ أسئلة التحولات الحاصلة اليوم في ظل بناء الجمهورية الجديدة، وحاجتنا الماسَّة إلى مجتمعٍ متماسك مؤمن بضرورة الوحدة والاصطفاف وراء مشروعه القومي بتحدياته المقارنة له، ينبغي أن تأخذ في الحسبان القيمة التي يمثلها التنوع في تحصيل ذلك التماسك، وينبغي أن تأخذ في الاعتبار كيف يمكن لإدارة التنوع والاختلاف أن تَزيد من التماسك المجتمعي لا من تَفكُّكه وتشرذمه”.
وأكد أن مجتمعنا الذي يعيش اليوم كغيره من المجتمعات حالةً من التعددية الثقافية واقعيًّا وافتراضيًّا ينبغي أن يتعلم كيف يتعامل مع هذا التنوع، وكيف يدرك أن ذلك التنوع فرصة سانحة لتعزيز التفاعل والتفاهم بين سائر المنتمين للثقافات والخلفيات الحضارية المختلفة.
أضاف أنَّ الاحترام والحوار البنَّاء والتفاعل والإفادة المتبادلة بين تلك المجموعات المختلفة يُثري الحالة الفكرية داخل المجتمع، بل ويصقل أحد المعاني الهامة المؤثرة في التماسك المجتمعي، وهو إدراك الهويَّة المشتركة بين أفراد المجتمع الواحد وأنهم يملكون من المشتركات الإنسانية والوطنية القدر الكافي لوضع أهدافهم المشتركة، وصناعة مناخ يسمح بتحقيق تلك الأهداف، ركيزته التعايش في حالة من السلام المجتمعي المتكامل.
واختتم بالإشادة بتلك اللقاءات المثمرة التي تعكس إدراك النخب الدينية والثقافية للمسؤولية الملقاة على عاتقهم في نشر ثقافة التنوع والتعايش، مؤكدًا أن تحقيق السلم المجتمعي يعتمد على دورهم في التعليم والتأهيل والتوعية. وكرَّر شُكره لأصحاب الدعوة الكريمة، داعيًا الله تعالى أن يحفظ تماسك المجتمع ويسدد كافة المساعي تجاه تحقيق هذه الغاية النبيلة.
قيمتان متلازمتان
أكد د. أندريه “إن الديمقراطية والسلام المجتمعي قيمتان متلازمتان”، مضيفا “أن السلام المجتمعي يُبنى على عدة أسس أهمها الديمقراطية والعيش المشترك وقبول الآخر”، لافتًا إلى “أن العيش المشترك ليس مجرد مفهوم نظري دراسي، بل هو قائم على المبادرات العملية والتي تضطلع مؤسسات المجتمع المدني فيها بدور كبير وفعَّال، جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الدينية والتعليمية والأكاديمية”، مشددًا على “أهمية بناء الوعي وتعزيز ممارسة الديمقراطية؛ إذ تعد الممارسة هي أفضل الطرق لتعلم الديمقراطية”، مشيرًا إلى “أن بناء الوعي هو الخطوة الجوهرية في بناء مجتمع ديمقراطي، وهو رحلة بناء تشترك فيها أطراف عدة”.
عاشق لمصر
ومن جانبه أكد السفير كريستيان برجر، أهمية هذا المشروع، ووجه الشكر للهيئة القبطية الإنجيلية على دورها في هذا المشروع، مؤكدًا “دعم الاتحاد الأوروبي لجهود المجتمع المدني في مصر”، مضيفاً: “انا عاشق لمصر، وقد شربت من نيلها فى أسوان”، مشيرًا إلى “أن دعم هذا المشروع يأتي في سياق قِيَم الاتحاد الأوروبي في دعم الديمقراطية والحوار”، مؤكدًا “أن الديمقراطية هي رحلة تعلم، وأن هذا المشروع يهدف لدعم جيل جديد من القادة المصريين في كافة المجالات في الأوساط المختلفة لبناء جيل مؤثر تأثيرات إيجابية في المجتمع”، مؤكداً أن أفضل وسيلة لمقاومة التطرف تلك المبادرات الشبابية المجتمعية.
تألق الحوار
وأشاد الإعلامي حمدي رزق، بدور الهيئة الإنجيلية في تعزيز حالة الحوار في المجتمع المصري، مؤكدًا “أنه كلما تألق الحوار كان المستقبل مشرقًا وأن منتدى حوار الثقافات يقوم بدور مشرف وكبير في تعزيز الحوار وأن مشروع الديمقراطية والسلام المجتمعي هو مشروع رائد وله ثمار جيدة”، مشيرًا إلى أن “الحوار المجتمعي والثقافية والدعوة للتسامح كلها أعمال وطنية صادقة”.
نماذج مضيئة
وأكدت سميرة لوقا، “أن مشروع “دعم الديمقراطية والسلام في المجتمع المصري”، انطلق في يناير 2022، بهدف المساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي يساند حقوق الإنسان، والتعددية، والشمولية والتسامح. وهدف إلى زيادة قدرة 200 شاب من قادة المجتمع المحلي في القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط، لتعزيز وممارسة التسامح والعيش المشترك والمواطنة الفعالة في مجتمعاتهم. وقد اختيرت هذه النخبة من الشباب من مختلف المجالات؛ قادة دينيين (مسلمين ومسيحيين)، إعلاميين، معلمين، وقادة مجتمع مدني. كما حرص المشروع على التمثيل الجندري المتوازن، بمشاركة لا تقل عن 30 بالمئة من السيدات”.