رغم مرور أكثر من ربع قرن من الزمان على رحيل فضيلة الداعية الكبير الشيخ محمد متولى الشعراوى ـ رحمه الله ــ وظهور العديد من الدعاة خلال هذه الفترة الزمنية التى ليست بالقصيرة، ورغم ما يقال أن لكل عصر فرسانه ورجاله من الدعاه والعلماء، وتحرك بحيرة الدعاة التى كانت راكدة لسنين طويلة ووجود العديد من الدعاة الذين أحدثوا حراكاً واسعاً فى البحيرة الراكدة إلا أننى لا أعتقد أن داعية اسلامياً فى هذا العصر الحديث اجتمع له من العلم وحب الناس وإجماع الفئات المختلفة ما اجتمع لفضيلة الداعية بل إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى ــ رحمه الله ــ والذى انتقلت روحه إلى بارئها قبل ست وعشرين عاماً من الآن ونرجو من الله أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، فدعوته مازالت باقية وعلمه مازلنا ننهل منه حتى الآن ومازلنا رغم انتشار وظهور العديد من الدعاة إلا أننا نفتقد الداعية الفارس حتى رغم مرور هذا الوقت على رحيل إمام الدعاة.
والشيخ الشعراوى ـ رحمه الله ــ وهب حياته وعلمه وفكرة لخدمة الدعوة، فكان الفارس النبيل، وإمام الدعاة فى هذا العصر، فقد جعل حياته نبراساً للجهاد وتعمق فى الدين والفقه واللغة والمعرفة واختار بوعية الثاقب وحسه المرهف ما يناسب روح العصر فاجتهد وناضل وثابر من أجل قضايا دينه ووطنه وأمته الإسلامية فكان رحمه الله مصلحاً كبيراً وداعية اتسم بالعلم والأفق الواسع، وكان من كبار المفسرين للقرآن، يتمتع باسلوب شامل فهو يتحدث فى المعنى الظاهر والمعنى الباطن، ويحدثنا عن فقه اللغة وحكم التشريع وفوق كل ذلك يتمتع باسلوب سهل ممتنع يفهمه العالم والانسان البسيط الذى لا يعرف القراءة والكتابة.
كان رحمه الله عالماً مثقفاً واضحاً كل الوضوح فيما يقول، لم يعتمد يوماً على مركزه ولا ماله ولا أهله ولا عشيرته، لكنه اعتمد على الله تعالى فأعطاه فوق ما يريد.
ونظراً لشهرته التى بلغت الأفاق فقد كان فضيلته ايضا ولايزال وسيلة لشهرة الذين يهاجمونة اثناء حياته وبعد مماته حتى أن بعض مهاجميه كلما انطفأ بريق شهرتهم راحوا يهاجمونه من جديد حتى يعود إليهم بريقهم المفقود.
استولى داعية العصر على قلوب وعقول الجميع بعلمه الرائق وحكمته النقية الخالية من التشرد والتطرف، بل كانت لفتة سهلة جميلة نقية رقيقة تمرق إلى القلب فى سهولة ويسر بنفس القدر الذى ينبهر به العالم اللغوى والمثقف الكبير.
ولم يحظ أى عالم إسلامى فى زماننا بما حظى به سيدنا وشيخنا الشعراوى من محبة ومودة فى قلوب الجميع، وما اجتمعت لأمة على محبة عالم مثلما اجتمعت قلباً وقالباً على حب وتبجيل شيخنا الشعراوى.
لقد عاش الشيخ الشعراوى على القرآن يعلمه للناس ويتعلم منه، ويؤدب الناس ويتأدب معهم، فتخلق بأخلاقه وتأدب بأدبه فعاش ــ رحمه الله ــ بسيطاً متواضعاً رغم سنة وشهرته واحتفاء ملوك وأمراء ووجهاء العالم به وكان يحيا حياة بسيطة يألفه الناس ويحبونه لصفاء نفسه ولطف معشره وحسن دعابته مع مهابة العلماء ووقارهم.
رحم الله شيخنا الجليل الذى اجتمعت على حبه الأمة الإسلامية وشهد بعلمه وبلاغته كل علماء الدنيا، فالإسلام وطنه والسلام كان غايته وحاضر الأمة العربية والإسلامية ومستقبلها كان همه الأول.. فماذا فعلتم أنتم أيها الأقزام المتطاولون على الرجل حتى بعد رحيله بأكثر من ربع قرن؟!
لذلك اتعجب اشد العجب أن يقوم بعض انصاف الرجال بنهش أعراضه ومهاجمته وهو فى رحاب الله، وأعجب ايضا أن يسن غلاة العلمانية سيوفهم للنيل من الرجل بعد رحيله.. لكن أنى لهم ذلك، فلن يزيده هجومهم إلا عشقاً بالرجل وحباً له ورسوخاً فى قلوب المصريين جميعاً وفى كل أنحاء العالم.
>>>
>> وختاماً: قال تعالى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ». صدق الله العظيم
آل عمران (٩٥١)