بقلم: المستشار يحيى خضري
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضو المجلس الخاص السابق
ما فعلته وصنعته إسرائيل وما زالت مستمرة في ممارسته من اقتراف أبشع الجرائم وأشدها قسوة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وبمشاركة أمريكا ودول غربية أخرى، وخاصة الاعتداء الاجرامي والمتوحش على سكان قطاع غزة وذلك على مرأى ومسمع كل دول العالم ومنظماته الدولية وباستخدام أحدث أنواع الأسلحة الأكثر تطورا والأشد تدمیرا وما يصاحبه من تصريحات المسئولين في تلك الدول ضد حماس وعدم مبالاتهم بالاحتجاجات ضد هذه الحرب.
بالإضافة لما تقدم فإن ردود الفعل لرؤساء تلك الدول وتعليقاتهم على التقارير الموثقة التي أعدتها المنظمات الدولية وأثبتت مخالفة إسرائيل في هذه الحرب لأحكام القانون الدولي العام ولقواعد القانون الدولي الإنساني واستخدامها المفرط للقوة وبأسلحة أمريكية فى الهجوم على غزة – وذلك بعدم الاكتراث وبتبريرات فيها استخفاف بعقول المتلقين والمحررين لتلك التقارير، ثم ثبت بعد كل ذلك أن إسرائيل خدعت العالم بكذبة كبرى حيث قام رئيس وزرائها فى حضور الرئيس الأمريكي بتمثيل مقطع تراجيدي بعد أن أظهر غضب عنيف على قسمات وجهه مدعيا كذبا بأن حماس فى هجومها على إسرائيل فى السابع من أكتوبر 2023 قامت بتقطبع رؤوس أطفال اسرائيليين واغتصاب النساء وقتل 1500 مواطن إسرائيلي مما جعل الرئيس الأمريكي تذرف عيناه بالدموع من عيناه من شدة تأثره بذلك رغم أنه أقر فى حديثه حينئذ بأنه لم ير أى صورة لطفل إسرائيلى مقطوع الرأس وذلك على الرغم من أن إسرائيل لم تقدم أى دليل على أقوالها و استمرت بترديد هذه الأكاذيب وفقا لما ألفته من إسقاط ما تفعله على آخرين أبرياء وقد تأكد عدم صحة تلك الروايات الإسرائيلية بتقارير صحفية و أكبر دليل على كذبها ما شهد به الأسرى والأسيرات الإسرائيليين المفرج عنهم وحسن معاملة حماس لهم فى جميع الحالات.
نتج عن كل ذلك أوضاعاً كارثية أصابت الشعب الفلسطيني وتسببت في تضيق الخناق على قضيته العادلة والحائزة لحجية الشرعية الدولية وإدخالها في نفق مظلم وأضحى حلها حائراً بين الحلول العسكرية والحلول الدبلوماسية وتحكم غير أبناء فلسطين في مصير دولتهم وذلك في ظل ضجيج وضوضاء النافخين فى أبواق الحروب ودعوتهم إلى التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية وفي ذات الوقت يتشدق ممثلى تلك الدول بادعاءات غير صادقة بسعيهم إلى وقف اطلاق النار وإحلال السلام وفي الواقع أقوالهم تخالف أفعالهم فهم دائما ينحازون إلى جانب إسرائيل الطرف المعتدي على حساب الشعب الفلسطينى دون خجل إلا أن العدوان الإسرائيلي المستمر حتى تاريخه على شعب غزة متجاوزاً مدة ثمانية أشهر أيقظ دول العالم والشعوب العربية وشبابها وأحرار العالم وجعل القضية الفلسطينية القضية الإنسانية الأولى على المستوى الدولي وبجلسات المنظمات الدولية، وأثبتت أن اسرائيل كيان صهيوني عدواني ونبهت إلى خطورة الحركة الصهيونية وأطماعها في المنطقة العربية وكشفت عن حقائق كثيرة ووجهت رسائل عديدة وقبل ذلك.
وما زاد الأمر تعقيدا وهو ما يجب الانتباه إليه والوقوف على مقتضياته وآثاره لكونه هو السبب المباشر لمعاناة الشعوب العربية في العصر الحديث وتخاذلها عن تنفيذ الأمرين الإلهيين:(ولا تتفرقوا) و(وخذوا حذركم) وهـذان السببان تولدا فى هذا العصر من حالة الزواج غير الشرعى بين أطماع الاستعمار الحديث برئاسة أمريكا وعضوية الدول الغربية من جهة ومن الجهة الأخرى أحلام وطموحات الصهيونية العالمية المستمدة من أساطير دينية والمتمثلة في دولة إسرائيل وقد اتفق الطرفان على شرعنة تصرفاتهما وأن يساعد كل طرف الطرف الآخر في تحقيق أهدافه بوسائل ميكافيلية وقد تولد عن هذا السفاح ابنة غير شرعية تسمى دولة إسرائيل.
الدليل على ذلك ما كشفت عنه حرب غزة من اتفاق تلك الدول جميعها على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد من؟. منظمة حماس ودون أن يحق لها الدفاع عن نفسها ضد من؟. إسرائيل وقيام أمريكا ودول من غرب أوروبا بالتزويد الفوري لإسرائيل بأسلحة وذخائر بأكثر مما تحتاجه وبالرغم أنه لا يوجد ثمة تعادل بين الطرفين فى ميزان القوى وإنما ذلك نوعا من الجنون وغرور القوة وأن تلك الدول لم تتحرر بعد من الطبع الاستعمارى عندما كانت تسحق حركات التحرر فى مستعمراتها والتنكيل بأبطالها. ويضاف لكل ما تقدم الآتي:
1- عدم اعتداء منظمة حماس على أرض إسرائيلية طبقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 بتقسيم أرض فلسطين بين الدولتين وأن إسرائيل دولة احتلال وإنه من حق الشعب المحتل طبقا لأحكام القانون الدولي أن يقاوم دولة الاحتلال إذا حرمته من حقه في تقرير مصيره، وقد ثبت بمستندات موثقة أن إسرائيل أغلقت كل نوافذ الحريات أمام الشعب الفلسطيني وحطمت أمله في الاستقلال وحولت غزة إلى أكبر سجن مفتوح عرفته البشرية فى تاريخها وذلك منذ عام 1967 وحتى الآن وذلك فى ظل استعمار استيطانى بجيشه ومستوطنيه.
2 – إن شعاع الأمل فى حل القضية الفلسطينية كان خافتاً أمام التحديات والمعوقات الصعبة إلا أن الأقدار شاءت وأظهرت فجأة شعاعاً لامعاً كشف عن مسار جديد للضغط نحو وجوب إيجاد حل لهذه المشكلة ومؤثر في الرأي العام العالمي كله ومصدره جاء من داخل الدول التي تساند مباشرة دولة إسرائيل فى اعتدائها على الشعب الفلسطيني وتقدم لها الدعم الذي ليس له نظير- وتمثل فى الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية و الأوربية وغيرها من الجامعات العالمية فحناجر هؤلاء الطلبة وهتافاتهم شكلت انتفاضة سوف يجبر الكل على الاستماع إلى طلباتهم والاستجابة لهم لأن صوتهم هو الصوت الواحد الذي يمثل صوت المستقبل بعد أن عجز الإعلام الغربي عن إخفاء جرائم إسرائیل ومظاهر الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني فإن الأمر يتطلب من كل إنسان حر أن يتخذ موقفا إيجابيا اتجاه مساعدة الشعب الفلسطينى- فلا يكتفي بتألمه من مشاهدة الأحداث أو الصلاة والدعاء لهم، وذلك لكون الأحداث فاقت كل تصور وكل تخيل.
3 – فى مجال المساندة الشعبية لشعب غزة فى محنته فإنه يجب عدم ترك الساحة الإعلامية مفتوحة للإعلام الصهيونى المؤيد بالإعلام الغربى ليقوم بتزيف الحقائق وترديد الأكاذيب وإظهار الشعب الفلسطيني بمظهر الجناة المعتدين رغم أنه ضحية لأعمال إسرائيل مما يستوجب الرد على كل ادعاء كاذب مثل ما تنسبه لإتهام الدول العربية والشعب الفلسطيني بمعاداة السامية بالنسبة لليهود واستخدام ذلك كفزاعة فى وجه كل من يحاول الاعتراض على ما تفعله إسرائيل ولما كان هذا الاصطلاح قد ظهر لأول مرة فى أوروبا فى القرن الثامن عشر الميلادي على الشعوب المنحدرة من سام ابن سيدنا نوح عليه السلام وتتكلم إحدى اللغات السامية وأساس هذه الشعوب العرب من قبائل اليمن وشبه الجزيرة العربية وتمت الهجرات السامية فى تلك البلاد إلا أن الصهيونية اختزلت هذا الاصطلاح وقصرته فقط على اليهود.
4 – كشفت أزمة غزة عن الضرورة القصوى للمحافظة على الأمن القومي العربي والتسلح بالوعي السياسى وخاصة أن دولة إسرائيل منذ إنشائها و حتى تاريخه لم تضع لها دستورا ولم تعين لها حدودا كما كشفت أن اسرائيل كيان عدواني وترعاه الصهيونية العالمية مما يستلزم الوقوف على أخطار الصهيونية ومخططاتها مما يتطلب حتما أن تكون هناك وحدة بأي شكل بين الدول العربية كما أن الشعب الفلسطينى يطالب حكومته بالوحدة وبينها وبين منظماته فى حكومة واحدة وحتى لا تتكرر أحداث التاريخ الماضي فى زمان الاستعمار الأوروبى للدول العربية حيث لم يستوعب العرب مخططات الاستعمار ونوايا الدول الاستعمارية وأطماعها وصدقت هذه الدول وخاصة انجلترا فى وعودها بالرغم من أن تلك الدول افتقرت للأخلاق فى سياستها حيث فوجئ العرب الذين صدقوا انجلترا بثلاث نكبات فى مراحل متتالية، الأولى أثناء الثورة العربية بشبه الجزيرة العربية بصدور معاهدة سايكس- بيكو، والثانية بصدور وعد بلفور بإنشاء وطن لليهود بفلسطين سنة 1917، والأخيرة بإنشاء الكيان الصهيونى بفلسطين سنة 1948.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.