لا تختلف أمريكا عن إسرائيل في نظرتها للمقاومة الفلسطينية، فهي تختصر فصائل المقاومة كلها في (حماس) وتصنفها جماعة إرهابية، ولا تعترف لها باي شرعية، وتدعو علنا إلى القضاء عليها مثلما يدعو بنيامين نتنياهو، وقد ظهر هذا جليا في مناظرة المرشحين الكبيرين للانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تعهد الرئيس جو بايدن بالقضاء على (حماس)، والتعامل معها كما تعاملت القوات الأمريكية مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بينما أكد الرئيس السابق دونالد ترامب ضرورة استمرار إسرائيل في الحرب حتى تتخلص من (حماس).
وكان نتنياهو قد سبق إلى التأكيد مرارا وتكرارا على أن الحرب لن تتوقف حتى يتم القضاء نهائيا على حماس، لكن مسئولين إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين ردوا عليه، ووجهوا رسالة إلى الإسرائيليين بأن زعيمهم يخدعهم، ويمنيهم بأهداف خيالية عصية على التحقيق.
وأشهر من تصدى مباشرة لنتنياهو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي (دانيال هاجاري)، الذي قال إن “الحديث عن تدمير حماس يعتبر ذرا للرماد في العيون، حماس فكرة وحزب، ومغروسة في قلوب الناس، ومن يعتقد أن بإمكاننا إخفاءها فهو مخطئ، إنها فكرة لايمكن القضاء عليها، نحن ندفع ثمنا باهظا في الحرب، ونقوم بكل ما نستطيع لإعادة المخطوفين أحياء، لكن لن يمكننا استعادتهم كلهم بالوسائل العسكرية، كما أن الوصول إلى زعيم حماس في غزة يحيى السنوار مازال صعبا”.
وأكد الكاتب الإسرائيلي (بريان بلوم) في صحيفة (جيروزاليم بوست) أن “إسرائيل تخسر الحرب، ولن يتحقق لها النصر الكامل، وعليها أن تفعل شيئا يحفظ ماء وجهها، هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه بعد شهور الحرب الطويلة، وهذا مايعتقده معظم الإسرائيليين حاليا وفقا لاستطلاعات الرأي، إذ لاتزال حماس موجودة على الأرض، ولا يزال الرهائن محتجزين في ظروف غير إنسانية، ولا تزال حماس قادرة على إطلاق صواريخ على تل أبيب”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تتحدث إسرائيل وأمريكا عن صفقة مع (حماس) في ظل الإصرار على تدميرها، اللهم إلا إذا كان الهدف استعادة الرهائن ثم استئناف حرب الإبادة والتهجير القسري، وهو ما تتحسب له المقاومة؟
هذه الصفقة كانت محل ريبة منذ أعلنها الرئيس بايدن، وقال إنها خطة إسرائيلية لإيقاف الحرب وتبادل الأسرى على 3 مراحل، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة وفتح المعابر لإدخال المساعدات وإعادة الإعمار، ثم أسرع بتقديمها إلى مجلس الأمن لتصبح قرارا دوليا، وبينما كانت حماس تطلب تعهدات بتنفيذ بنود الاتفاق كان نتنياهو يعلن رفضه لوقف الحرب، ما يعني رفض الصفقة، التي قيل إنها خطته.
وحتى بعد أن أعلنت حماس موافقتها الصريحة على الصفقة استمر نتنياهو في مناوراته، فيقول مرة إن الحرب لن تتوقف حتى القضاء على حماس، ويقول مرة أخرى إنه يؤيد خطة بايدن، بينما تقف الإدارة الأمريكية صامتة أمام هذا التخبط، لا تتحدث إلا عن ضرورة أن توافق حماس، دون أن تحدد بوضوح وحسم؛ هل الخطة إسرائيلية أم أمريكية أم مشتركة؟ وكيف سيتفاوض نتنياهو وبايدن مع حماس (المقاومة المسلحة) وهما يخططان للقضاء عليها؟ وهل باستطاعتهما فعلا تحقيق هذا الهدف؟
في 20 يونيو الماضي نشرت شبكة (بي بي سي) البريطانية تقريرا عبر صفحتها على الإنترنت بعنوان (هل يمكن لإسرائيل القضاء على حماس؟) قالت فيه إن إسرائيل أحالت غزة إلى أنقاض وشردت معظم سكانها، لكنها عجزت عن إخماد تحرك حماس في غزة رغم تفوق قدراتها العسكرية”، ونقلت عن (حسام بدران) القيادي في حماس أن “كتائب القسام قادرة ومستعدة للاستمرار في الدفاع عن شعبنا طالما استمر عدوان الاحتلال، بغض النظر عن الفترة الزمنية”.
كما نقلت الشبكة عن (هيو لوفات) عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قوله: “إن التجارب السابقة تظهر صعوبة القضاء على حماس، فحماس ليست مجرد منظمة عسكرية، ولا هي مجرد حركة سياسية، إنها أيديولوجية عصية على الاجتثاث، خصوصا بواسطة قوة السلاح الإسرائيلي، وإذا أراد أحد أن يهمش حماس ويضعفها فالسبيل الوحيد إلى ذلك هو التوصل إلى مسار سياسي حيوي”.
وقال (دوجلاس لندن) الضابط السابق في وكالة المخابرات الأمريكية لصحيفة (نيويورك تايمز) إن “المقاومة الفلسطينية التي تجسدها حماس وغيرها من الجماعات المسلحة هي فكرة بقدر ما هي مجموعة مادية وملموسة، ورغم الضرر الذي لحق بحماس إلا أنها لاتزال لديها القدرة والمرونة والتمويل، ولديها سلسلة طويلة ممن ينتظرون الانضمام إليها بعد كل الخسائر التي تكبدتها”.
وبينما تقف حماس صامدة بهذا الشكل ينتقل الفزع إلى إسرائيل، حيث يكثر التحذير من انهيار الدولة وسقوطها، ونشرت صحيفة (هاآرتس) مقالا لرئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك في 21 يونيو الماضي أكد فيه أن “إسرائيل تعيش أخطر أزمة في تاريخها، وعليها أن تطيح بحكومتها الفاشلة قبل أن تغرق في هاوية أخلاقية، فما زالت بلا نصر في غزة، وهي الآن
دولة منبوذة وعلى خلاف مع أمريكا، ومهددة بإجراءات خطيرة من المحكمتين الدوليتين في لاهاي، وفي مواجهة مع الدول التى تسعى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد تجد نفسها خلال أسابيع في حرب متعددة الجبهات، بينما يستمر الانقلاب القضائي فى الخلفية بهدف إقامة ديكتاتورية دينية عنصرية وقومية متطرفة جاهلة، وهذا المزيج يخلق خطرا واضحا وقائما على أمن إسرائيل ومستقبلها”.
وكتب رئيس الوزراء الأسبق نافتالي بينيت في حسابه على منصة (إكس) أن “إسرائيل تمر بأصعب أوقاتها منذ 1948، وعلى مواطنينا عدم مغادرة البلاد، بالأمس أخبرتني مهندسة برمجيات لامعة أنهم سيغادرون إسرائيل إلى بلد في أوروبا قبل بداية العام الدراسي، لأن إسرئيل صارت أخطر بلد على اليهود، وهذا يحزنني جدا”.
ربما يكون في الحديث الآن عن زوال إسرائيل شيء من المبالغة بمقاييسنا، لكن من يدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.